
على باب السوبرماركت، وبجانب البراد الذي يعرض عصائر لا يشربها أحد إلا للفرجة، وقف رجل خمسيني يحمل بيده ورقة مئة دولار، يتأملها كما لو أنها تسأله بدورها: تصرفني هلا؟ ولا نص ساعة كمان؟
سناك سوري – رحاب تامر
تجرأ وسأل صاحب المحل “بكم الدولار اليوم”، أجابه دون اكتراث: “نازل اليوم صار 11 ألف و200 ليرة بدل 12 ألف”، هنا حك الرجل رأسه، نظر لداخل المحل، ثم عاد لينظر لورقته الخضراء، وكأنه ينتظر منها إشارة، أو وحي، أو حتى إشعار من المصرف المركزي يقول له: اصرف.. لا تصرف.. جرّب حظك.
وبينما كانت المئة دولار عم تاخد حقها من التفكير، دخلت صبية، قالت باختصار شديد: «باكيت دخان»، صاحب المحل، الذي قبل ثوانٍ كان يتحدث عن “نزول” تاريخي في سعر الصرف، قال بلا تردد: «9000 ليرة».
الصبية توقفت لحظة، نظرت له نظرة يلي سمع هالحكي قبل هيك، وسألت: «مو الدولار نازل اليوم؟»، ردّ صاحب المحل متل “الباشق”: «نازل بس الدخان ما بينزل».
الأسعار بحاجة تقتنع أن الدولار نزل، لكن يبدو ما حدا عم يجرب يقنعها!
وهنا، ولأول مرة، نفهم أن الدخان في سوريا ليس سلعة، بل موقف، موقف ثابت، راسخ، لا يهتز مع الدولار، ولا يتأثر بالأخبار، ولا يدخل ضمن حسابات التفاؤل المؤقت.
الرجل صاحب المئة دولار كان ما يزال واقفاً على الباب، سمع الحوار، نظر إلى الصبية، ثم إلى صاحب المحل، ثم إلى ورقته الخضراء، وقال بجملة تشبه الخلاصة الوطنية: «يعني الدولار نزل.. بس الأسعار لساتها واقفة محلّها؟»، صاحب المحل ابتسم ابتسامة من جرّب الشرح كثيراً وتعب، وقال: «نزل.. بس مو لهالدرجة».
خرجت الصبية وهي تحمل باكيت الدخان، خرج الرجل وهو ما يزال يحمل مئة دولار، وبقيت الأسعار في مكانها، بتنزل حسب مزاج البائع وبتطلع بمزاجه كمان، الأسعار بحاجة تقتنع أن الدولار نزل، لكن يبدو ما حدا عم يجرب يقنعها!

