“تعب المشوار” فغادر “فؤاد غازي” صامتاً!
بمثل هذا اليوم من 2011 ودعت سوريا ملك العتابا الذي جعل المدن العربية تغني بالسوري!
تمرّ نسمة صيفية هادئة تخفّف حرارة ليل “دمشق”. بينما يكابد سيرفيس “مزة جبل كراجات” عناء الطريق صعوداً باتجاه تلك البيوت المتناثرة عالياً بعشوائية. إلا أن صوت المذياع يستمرُّ منساباً بهدوء يرافق الطريق. “تعب المشوار من خطواتي وخطواتك” يكثّف الصوت حزن الكلمات التي كتبها الشاعر “حسين حمزة” قبل عقود، فيما يسأل شابٌ عشريني سائق السيارة «مين هاد اللي عم يغني؟» فيجيبه مستغرباً عدم معرفته «فؤاد غازي .. ما بتعرفو!».
سناك سوري _ محمد العمر
كان السائق محقّاً في استغرابه، فكيف لا يعرف الشاب أن من يغني تعب المشوار “فؤاد غازي” الذي سادت أغانيه عقدَي الثمانينيات والتسعينيات في “سوريا”؟. والسؤال الأهم لماذا لا يعرف الكثيرون اسم “فؤاد غازي” رغم أنهم سمعوا أغانيه بلا شك بينما يحفظون أسماءً تقدّم غناءً هابطاً؟!.
كان “غازي” يكتفي بالعود إلى جانب صوته ليأخذ مستمعيه إلى عوالم “العتابا” في سهرات بسيطة تستمر حتى الصباح. ممتلئةً بتصفيق الحاضرين بعد كل “أوف” طويلة يطلقها ذاك المبدع.
منذ أن نسب جمهور الحفلات الشعبية “غازي” إلى قريته بريف “حماة” فأطلقوا عليه اسم “فؤاد فقرو” تيمناً بقرية “فقرو”. تأكد “غازي” أن الفؤاد لن يغادر “فقرو” ولن تغادره!.
ملك العتابة
حمل “غازي” طابعَ بيئته في أغانيه فتوجّه مستمعوه “ملكاً للعتابا” في وقت باكر، فيما أغرقَ ذلك السوري بامتياز بالانتماء إلى اللهجة السورية فلم يغنِّ بغيرها. ونجحت أغنياته في أن تكون سفيرة للعامية السورية في البلاد العربية التي ترنّمت طويلاً بوعده “لزرعلك بستان ورود”.
كان “فؤاد غازي” فناناً شعبياً لكنه لم يكن هابطاً كما يجري الآن مع اقتران الشعبي بالهابط في معظم الحالات. حيث جسّدت أغانيه صوراً ومفردات خارجة من رحم البيئة المحلية السورية بامتياز. وكان صوته حاملاً مثالياً لمواويل الريف السوري وحفلات سمره الوادعة.
بينما كانت البلاد تحتفي باسمٍ قادمٍ من بلد عربي هنا أو هناك نسيت ابنها السوري المبدع طويلاً ولم تتبنّ رسمياً مدرسته السورية الأصيلة في الغناء. فيما كان صوت “غازي” يعبر القرى والمدن نحو بسطاء البلاد الباحثين عن غناءٍ يشبههم.
يمتلك المرض آلية عشوائية في اختيار مكان الإصابة لكنها مأساوية في حالة “غازي” الذي غدر به السرطان وسرق منه حنجرته. فصمت صاحب “صبر أيوب” في السنوات الأخيرة من عمره طويلاً ليحرمنا مرضه من الإصغاء إلى نغمه الجبلي الفذ. فيما غادر “غازي” الحياة بهدوءٍ مريب حين كانت البلاد مشغولة بحربها عن رحيل فنان!.
فجر الثاني من آب 2011 ترك “غازي” 56 عاماً من عمره ومضى إلى الأبد ورغم أن معظم أجيال الزمن الحالي لم تسمع باسمه. إلا أنها سمعت جيداً أغنياته التي تكفّل إبداعها بإبقائها حية.
يجدر بنا أن نستعيد أولئك المبدعين السوريين مثل “فؤاد غازي” ونعرّف الأجيال الشابة على إبداعهم. وأن نفتخر بالفن الشعبي السوري كما تفتخر كل الشعوب بفنونها المحلية.