أجل كل مآسينا مستمرة، حتى الحكومة مستمرة في كراسيها!
سناك سوري-رحاب تامر
تمد يدها لي في كل صباح بعلبة “علك” من النوع الرخيص، أبتسم لها وأتناول ماحملت لي مقابل مبلغ مال مجاملة لطفولتها المسفوكة على زجاج السيارات وشوارع المارة الذي يبدو أن معظمهم لا يكترثون لوجودها.
أتابع مشواري الصباحي إلى العمل أسترق السمع إلى زملاء الركوب في الميكروباص العام، حيث يتداولون الأحاديث المعتادة حول الحرب وسير المعارك، سعر صرف الليرة وتحسنه، الغلاء، والحكومة البخيلة التي لم تصدر أي زيادة على الراتب منذ تشكليها قبل حوالي السنتين، وحين أملّ أزج سماعاتي في أذني مبتعدةً قليلاً عن عالم يبدو أن كل مافيه ينبض بالحاجة والقلة، هو مجتمعنا السوري الجديد.
أصل لمكان عملي، لأكتشف أن تغييرات إدارية قد حدثت في غيابي، مدير سابق يسلم لمدير جديد، يتهافت الموظفون على علبة من الشوكولا يباركون يأخذون “حلوانهم” ويمضون في حال سبيلهم مع فكرة “الله يستر من القادم، يلي بتعرفوا أحسن من يلي بتتعرف عليه”، يمضغون حبة الشوكولا ويذهبون إلى مكاتبهم “فينكشون” في جوالاتهم بحثاً عن صور قديمة جمعتهم مع المدير الجديد، ينشرونها مع عبارة مباركة لا تخلو من الأخطاء الإملائية، لكن المدير الجديد والزميل السابق بدأ بتطبيق سياسة “الهيبة” فـ “اللايك والكومنت” لا تليقان بالمنصب الجديد.
اقرأ أيضاً: أنا مواطن سوري “صالح” أريد أن أهدي الحكومة وردة و”شوية حكي”
أمارس عملي الاعتيادي غير آبهة بما يدور حولي، بينما تستمر الأحاديث عن الحكومة والغلاء والرواتب والتثبيت والحرب، وتلك التي تحظى بمكانة خاصة عند المدير، وذلك الذي يشبهها، كل تلك الأحاديث تتوقف فجأة وتتحول إلى تملق وإعجاب بذات الشخص الذي “نشروا عرضه” قبل قليل بمجرد رؤيته أو دخوله فجأة، وللأمانة تلك عادة ليست مكتسبة أبداً بفعل الحرب، إنها متجذرة فينا تجذر السنديان في تربة حمراء.
تدخل صديقتي متذمرة من حظها العاثر، تقول لي إنها اكتشفت أن زميلتها في العمل الخاص الذي تمارسه فترة بعض الظهر عبر نظام العمل من المنزل لصالح إحدى الشركات اللبنانية تأخذ 15 ضعف راتبها، وحين أرسلت تسألهم عن السبب جاوبوها بكل بساطة إن الوضع المعيشي في سوريا مختلف عن لبنان، وقالوا لها إنهم يعلمون جيداً قيمة الرواتب التي يتقاضاها السوريين وهم يدفعون لها أكثر من أي سوري آخر يعمل لصالح شركة مماثلة داخل سوريا، صديقتي تلك لم تشتم الحكومة، لقد خافت من أن تحل عليها لعنة الجريمة الالكترونية.
تنهي صديقتي كلامها بحسرة، وتتابع في عملها فهي لا تملك خياراً آخر، بالأحرى الحكومة لم تترك لها أي خيار مختلف، وينتهي يوم آخر، لم تسجل به أي حوادث كبيرة تذكر، فقط بضع مآسي عن استمرار عمالة الأطفال، واستمرار الأوضاع المعيشية المزرية، واستمرار الوعود الحكومية، واستمرار الحرب، أجل كل مآسينا مستمرة، حتى الحكومة مستمرة في كراسيها!.
اقرأ أيضاً: عذراً رئيس الحكومة لكن سائق السرفيس أكثر أهمية