ياليتني موظف في إحدى “المنظمات المدنية”!
سناك سوري-رامي أبو اسماعيل
أنتجت سنوات الأزمة فرص عمل لكثير من الشباب السوريين من خلال منظمات العمل المدني والإغاثي محدثة الصنع، ونافست برواتب العاملين بها كبرى الشركات والمؤسسات الخاصة، حتى أصبحت الوجهة الأكثر رغبةً من قبل الشباب للعمل بها.
ميزات كثيرة جعلت المنظمات المدنية (جمعيات، مبادرات، منظمات، فرق …..) وجهة للشباب الباحثين عن فرصة عمل، بداية من الرواتب العالية التي يعادل أقلها ضعف راتب موظف حكومي، بالإضافة للتأمين الصحي الشامل ونهايةً بكلمة “أستاذ” محبوبة الجماهير، في الوقت ذاته ليست الشهادة الجامعية شرطاً واجب توافره لدخول سوق المنظمات ولا حتى الخبرة السابقة لعل أهم الشروط لدخول هذا المجال “الواسطة” والعلاقات الشخصية.
غياب المعايير
رغم أن وظيفة الدولة والشهادة الجامعية هي حلم لكثير من الشباب والأهالي باعتبارها مصدر أمان للفرد، إلا أن منتجات الأزمة السورية من منظمات وجمعيات غيّرت هذا التفكير، فيمكن لشاب لم يحصل على شهادة التعليم الثانوي أن يكون منسقاً لأحد أهم برامج المنظمة براتب قد يصل لأكثر من 200000 ليرة سورية، مع العلم أن سقف راتب الموظف الحكومي فئة أولى 48900 ل.س.
يقول “سيف” وهو صحفي ثلاثيني: «في أحد الأيام زرت مخيماً للنازحين غربي محافظة السويداء، لكتابة مادة عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها الأهالي»، يتابع:«كنت ألتقط الصور في أنحاء المخيم وأتحدث مع قاطنيه، قابلتني امرأة تطهو الطعام بجانب خيمتها بعد السلام استأذنتها للتصوير رفعت رأسها مبتسمة وقالت “مو لازم يكون في سلة (سلة غذائية) لنتصور معها”».
يكمل الشاب: «بعد عدة أسابيع توظفت في إحدى المنظمات المدنية كمنسق إعلامي، مهمتي أن أختار أجمل الصور وأقنص أفضل زوايا الخبر، تذكرت يومها ابتسامة العجوز وبررت لنفسي أنني من خلال هذا العمل سأحفز المانحين على استمرار تقديم المساعدات حتى لو كانت ضئيلة، وليس لأن راتبي يساوي حاصل جمع راتب والدتي التي علّمت المئات على القراءة والكتابة وأبي الذي عمل في أهم المنشآت الصناعية في بلدنا الغالي.
منظمات “فيسبوكية”
تجاوز عدد المنظمات المدنية في محافظة السويداء التسعين منظمة، عدد كبير منها يعمل افتراضياً بهدف التمويل الشخصي ويقتصر عملها على التصوير والتسويق لحملاتها الممولة “خارجياً”، بيد أن قلة قليلة تعمل على أرض الواقع ويُشهد لها بالعمل لما تقدمه من خدمات إغاثية وتنموية للمتضررين والوافدين للمحافظة.
حتى أن معظم هذه المنظمات تحصل على تمويل دون أن تعمل لكنها فقط تكتب تقارير وهمية وترسلها للممول أو تجري نشاطاً شكلياً من أجل التقاط بعض الصور وإرسالها للممول، بينما يجني القائمون عليها أموالاً طائلة من هذا العمل.
الهيبة
فقدت غالبية المنظمات المدنية العاملة على أرض السويداء ثقتها بين الأهالي وخاصة الشباب، بسبب سياساتها في اختيار موظفيها، وانعدام مبدأ تكافؤ الفرص، بالإضافة لتطبعها بطابع حكومي لا يخلو من الفساد والمحسوبية، يبقى على “بعض” المنظمات المدنية إعادة هيبتها والتقييد برسالتها والبدء من نفسها في التغيير حتى تستطيع لاحقاً أخذ دورها الفعال في الضغط على الدولة لإيجاد حلول مناسبة بالنسبة لمشاكل العمال والموظفين، وتبقى زيادة رواتب الموظفين الحكوميين الموضوع الأهم الذي يناقشه “المسائيل” على شاشات الحكومة لجلب أكبر عدد من المشاهدات.