
بعد 8 كانون الأول، عندما سقط النظام، كنت أعتقد بسذاجة، أننا سنفتح النوافذ ونسمح للشمس بالدخول، ونسمع صوت زقزقة العصافير دون تدخل “التلفزيون السوري”، لكن فجأة اكتشفت أنو كتير من حيطان البلد مركبة عازل صوت بس مو عازل للضجيج، عازل للعقل!
سناك سوري-كنت عم أحلم ببكرى
اليوم، إذا حكيت عن غلاء الأسعار، أو سبيت الكهرباء، أو قلت “هدوك عم يقتلوا بشكل طائفي”، لك حتى إذا اتنهدت بالغلط على الفيسبوك، بيطلعلك جيش إلكتروني منزوع يسألك بحنية القنابل: “وين كنت من 14 سنة؟”.
طب تعال قلكن وين كنت! بالـ2011، كنت عم بدور ع شغل، آكل سندويشة فلافل، لاقي بيت بأجار منيح لو كان بآخر العشوائيات، وأتفرج ع أخبار الثورة وأنا بين مصدقة وكافرة.. ما كنت جنرال ولا سفير ولا صاحب قرار! كنت مجرد وحدة عندها مصروف يومي يكفيها تعمل “لايك” وتطفي الراوتر بالليل.
بس بهالبلد، بدهم منك تكون بطل خارق أو كات وومن! بدك قبل 14 سنة، تكون فتت على قصر المهاجرين مسلح، وقلت لبشار: “انزل عن العرش يا غالي”، وإذا ما عملتها، فأنت خائن، عميل، أو بالحد الأدنى شخص مش مؤهل يحكي عن غلاء كيلو الخبز!
الغريب أنو الناس يلي كانت تهتف لبشار بحفلات الزفاف، والناس يلي كانت تبكي كرماله بأفلام الدراما الرمضانية، نفسهم اليوم حاملين سيوف التخوين على بعض، صرنا نحاسب بعضنا كأننا وزراء دفاع سابقين، أو مستشارين سياسيين معتزلين.
ما حدا سأل حاله: وين كنت لما الخوف كان يربط لسانك متل ربطات الجزمة العسكرية؟ وين كنت لما كلمة “آه” ممكن تساوي خمس سنين تحقيق بدون كاسة مي؟
بدك قبل 14 سنة، تكون فتت على قصر المهاجرين مسلح، وقلت لبشار: “انزل عن العرش يا غالي”، وإذا ما عملتها، فأنت خائن، عميل، أو بالحد الأدنى شخص مش مؤهل يحكي عن غلاء كيلو الخبز!
طب تعالوا احكيلكن هالنكتة، شريك زوجي بالشغل خبرنا لأول مرة بعد سقوط النظام إنو أخوه معتقل، وإنو ما كان يسترجي يصرح، نفسه هذا الصديق سمّعنا سؤال: وين كنتو من 14 سنة؟ طب أنت المتضرر ما استرجيت تحكي ليش المطلوب مني إني كنت احكي؟!
أنا متل كتار من الناس يلي كانت مضطرة تسكت، كانت تحط حلمها بكيس نايلون أسود، تدفنه تحت البلاط، وتصلي إنه ما يشمّه كلب بوليسي وتوصل الريحة لعدرا ولا صيدنايا ولا شي فرع ما تعرف فيه غيبة الشمس من شروقها!
بس، للأسف.. اليوم إذا كتبت بوست عن الغلاء، أو حكيت عن الفوضى، بيطلعلك واحد ما بتعرف من وين طالع، وعامل حاله وصي عليك، يحاسبك حساب ولد ضايع: “وين كنت من 14 سنة؟”.
طيب يا أخي.. كنت طفل يمكن، كنت مشرد، كنت خايف، كنت ضايع بين حلم وأمل! ما كنت دولة عظمى لأقرر مصير العالم، وحتى لو كنت ساكت وقتها، هل هاد بيعني إني أضل ساكت للآخر؟
بصراحة، أكثر شي بيوجع مو التخوين بحد ذاته، الوجع الحقيقي إنو بعد كل هالعمر، وبعد كل الدم والدمار والخذلان.. لسا في ناس مفكرة إنو الحل إننا نحاكم بعضنا على مواقف فردية تحت سطوة الرعب، بدل ما نعالج جراح بعض ونرجع نحكي متل بني آدمين: “تعال نحكي.. أنا غلطت، وأنت غلطت.. بس خلينا نتفق إنو الحياة أكبر من قهر بعض”.