الرئيسيةتقارير

بيئة المشاريع الصغيرة في سوريا: هيكل بيروقراطي معقد

كيف هو واقع المشاريع الصغيرة بعد عقود من الحديث عن دعمها

لا تنفك الحكومات المتعاقبة منذ عقود عن الحديث حول أهمية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في سوريا ودورها في النهوض. بالاقتصاد وتوفير فرص العمل، فهل كان هذا الحديث المكرر كافياً لدعم هذه المشاريع؟

سناك سوري – غدير غانم

تبرز اليوم وفي ظل ما لحق بالاقتصاد الوطني من ضرر بالغ، الحاجة الملحة لإعطاء مزيد من الاهتمام بمسألة المشاريع المتناهية. الصغر والصغيرة والمتوسطة والعمل على تأمين احتياجاتها، تنميتها وتطويرها لتأخذ دورها كحجر أساس للدخول في مرحلة. التعافي وذلك من خلال زيادة معدلات الاستثمار والانتاج، وخلق فرص عمل إضافية، ورفع مستوى دخل الفرد. وتوسع السوق المحلية وزيادة الطلب والاستهلاك المحلي، وتأمين المدخلات العملية الانتاجية للمشاريع الكبيرة.

واقع المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة

خطوات قليلة قد تم اتخاذها قبل بداية الحرب من أجل مساعدة ودعم هذه المشاريع في سوريا بدءاً من القانون 71 لعام 2001. الذي نص على تأسيس هيئة مكافحة البطالة، هذه الهيئة التي لم يكن لها من اسمها نصيب، مادفع لحلها وتأسيس الهيئة العامة. للتشغيل وتنمية المشروعات ،وهذه أيضاً لم تختلف عن سابقتها لذلك تم إحداث “هيئة تنمية المشروعات. الصغيرة والمتوسطة ” على أمل أن تتمكن من إيجاد فرص عمل للعاطلين وتقديم التدريب والتأهيل إضافة لوضع استراتيجية تدعم وتنمي هذه المشاريع و تؤمن الاستقرار لها.

اقرأ أيضاً: بوابات تنموية للأزمة _ مازن بلال

أما في مجال الدعم المالي المقدم لهذه المشاريع تم الترخيص لمؤسسات مالية تعنى بشكل خاص بالتمويل الصغير وذلك بموجب. المرسوم التشريعي رقم 15 لعام 2007. والذي أخضع عمل هذه المؤسسات لإشراف مجلس النقد والتسليف.

وعلى اعتبار الأفكار والمال عصب المشاريع الصغيرة، سمح مؤخراً بتأسيس “مصارف التمويل الأصغر” وفقًا للقانون رقم “8” لعام 2021. وذلك بهدف تأمين التمويل اللازم لمشاريع شريحة صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ومحدودي ومعدومي الدخل عبر .منحهم قروضاً تشغيلية.

لكن هل هذه القرارت غيرت من الواقع؟

في الحقيقة تبقى التحديات التمويلية التي تواجه هذه الشريحة هي نفسها بسبب التردد في منح التمويلات من قبل المصارف. لارتفاع مخاطر العمل معها، و ارتفاع تكلفة الإقراض مقارنة بمستوى دخل هذه الشريحة، وعدم قدرة هذه الشريحة. على تقديم الضمانات المطلوبة مقابل الحصول على تمويل، واجراءات منح القروض البطيئة، و انخفاض سقف الاقراض الحالي ، الأمر الذي لا يساعد على البدء بمشروع ، نتيجة ارتفاع الاسعار وتدهور سعر صرف العملة المحلية بشكل كبير، بالإضافة لعدم وجود شبكة كافية من الفروع لدى مصارف التمويل الصغير تساعد في تغطية كافة المناطق الجغرافية لا سيما النائية منها.

حلول عبر المانحين والمنظمات الدولية

الى جانب هيئة تنمية المشروعات الصغيرة و مصارف التمويل الصغير برزت مبادرات عديدة في هذا المجال أهمها تلك التي تتم عبر الجمعيات والمنظمات الدولية بالإضافة لدخول القطاع الخاص من خلال تأسيس شركات استشارية وخدمية أو مساحات عمل وحتى مسرعات اعمال وحواضن ، لتسهم إلى حد ما في حل مشكلة النقص الحاصل في تلبية احتياجات شريحة معينة من الافراد والمشاريع وتقدم لهم خدمات التمويل على شكل منح مالية أو تقديم عدة العمل والبضائع، والتدريب والتأهيل على مستوى إدارة المشاريع، أو الخدمات والاستشارات في طور تأسيس المشاريع أو تنميتها.

تحديات أخرى تواجه أصحاب المشاريع

ثمة العديد من العوامل الاشكالية والمثبطـة للنمـو بالنسـبة للمشاريع السـورية سواء قبل النزاع أو خلاله، مثل انقطـاع الخدمـات. و فقـدان الموظفيـن والأضرار الماديـة، وفقـدان العمـلاء والموردين ومشـاكل النقـل ، والمشـاكل الماليـة، والأعباء الضريبية. والآليات الحكومية والأطر المؤسسية، و الفســاد الذي ازداد خلال النــزاع كما تســببت آليــات الحوكمــة والأطر المؤسســية. بوضــع قيــود شـديدة علـى النشـاط الاقتصادي، ليتفاقم ذلـك أثنـاء النـزاع.

اقرأ أيضاً: منظور تنموي… الإصلاح الاقتصادي – مازن بلال

فلطالمـا شـكل الهيـكل البيروقراطـي المعقـد عائقـا أمـام بـدء الأعمال التجاريـة فـي الاقتصاد النظامـي، ودفـع نحـو انتشـار العمل. في القطاع غير النظامي ووفقــا لتصنيف البنك الدولي لسـهولة ممارسـة الأعمال التجارية في عام 2020، شغلت سوريا المرتبـة 143 مـن 190 اقتصـادا لســهولة بــدء الأعمال التجاريــة. وتعانـي مـن أوجـه ضعـف أخـرى فـي إنفـاذ العقود وحقـوق الملكيـة.

البيئة التشريعية والمالية لا تكفي

يتضح مما سبق عرضه، إخفــاق قدرة سوريا على تأمين بيئة محفزة للمشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وأن مشكلة هذه المشاريع لا تنحصر بوجود قوانين وأجهزة. رغم أنه يعد مدخلاً هاماً، لكنه غير كافٍ.

ولا يمكن التعويل عليه بمفرده إلى حدٍّ كبير. فهذه القوانين والأجهزة على أهميتها وضرورتها، لم تكن بمستوى الطموح والآمال، ولم تحقق الغايات الاستراتيجية المرجوة منها.

في ضوء ما تقدم، لابد من العمل على وضع إطار منظومي شامل، يسهم في التغلب على كافة العوائق التي تحد هذه المشاريع. وبالتالي يمكن الرهان عليه في خلق بيئة نوعية حاضنة لهذا النوع من المشاريع، لتشكل السياق الطبيعي لتأسيس المشاريع وضمان نجاحها.

وبغض النظر عن كون عملية الدعم هي حكومية بشكل أساسي فلا بد من العمل على مشاركة القطاعين الخاص والمدني ، بهدف حشد الجهود والطاقات والامكانات المحلية.
مع الأخذ بالحسبان أن حدود مشكلة هذه المشاريع في سوريا هي أبعد من كونها مسألة (اصدار قانون، أو منح مزايا، أو تقديم تسهي

لات ،أو تأسيس مؤسسة). وأن تبعاتها ستبقى تشكل نقطة ضعف، تهدد بصورة دائمة، استقرار المجتمع في سوريا.
مما يعني ضرورة اعادة النظر بواقع هذه المشاريع، تحديداً لجهة ما يتعلق بموقع أصحابها، ودورهم في المشاركة في الشأن العام، وبالتالي دورهم في صياغة المرحلة المقبلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

اقرأ أيضاً:  تعليقاً على ألف مليار السياحة.. خبير: أولويات الحكومة غير واضحة! 

زر الذهاب إلى الأعلى