وزير التربية “دارم طباع” يسألنا نحن المواطنون عما يجب أن يجيب عليه سيادته والحكومة التي يمثلها وهو جزء منها منذ 3 سنوات. بينما نحن المواطنون نتلقى قراراتها وندفع نتائج سياساتها منذ عقود طويلة.
سناك سوري – بلال سليطين
يريد وزير التربية “دارم طباع” أن يغير ثقافة المجتمع في سوريا والتي تقوم لدى السواد الأعظم على العلم. هذا العلم الذي خرّج ملايين المدرسين والأطباء والمهندسين …إلخ ممن بنوا سوريا خلال عقود. وصدّرتهم سوريا للخارج وكان لهم دور مثلاً في بناء دول الخليج. واليوم تستقطبهم الدول الأوروبية كألمانيا على سبيل المثال التي أمضى فيها معالي الوزير 10 سنوات من عمره.
في حديثه لإذاعة شام إف إم يشجع معالي الوزير الطلاب على عدم الإصرار على إعادة تقديم الشهادة الثانوية في حال فشلوا بالنجاح. ويدعوهم للتوجه نحو التعليم المهني ومن ثم إلى سوق العمل وربما يكون هذا الطرح منطقي. لكن معالي الوزير لم يقل لهم أين هو سوق العمل؟.
ويقول الوزير أن التعليم في أوروبا ينتهي بالصف العاشر وبعدها يدخلون إلى سوق العمل. وبغض النظر عن عدم دقة هذه المعلومة فإن “الطباع” يقول أنه لا يمكن لمؤسساتنا استيعاب عدد كبير من خريجي الطب والهندسة لكن يمكن لمعاملنا أن تستوعب مئات آلاف الشباب. وهو هنا أيضاً لا يجيبنا على سؤال أين هي هذه المعامل؟. وهل يتحدث عن اليوم أو عن عام 2010 مثلا؟.
سوريا أفضل بلد سياحي بالعالم عند طباع
ويقدم وزير التربية توصيفاً لسوريا على أنها بلد “تجاري سياحي”، وأن السياحة يمكنها أن تستوعب مئات آلاف الشباب. لكنه يعود ليقدم تمنيات لوزارة السياحة أن تتوسع في مجال المعاهد الفندقية لاستيعاب الشباب فيها.
وهنا تحديداً لب المشكلة فالوزير يريد أن يوجه الشباب نحو التخصصات المهنية وسوق العمل دون توفر البنية اللازمة لذلك. فإذا فرضنا أن الشباب سمعوا كلام الوزير وقرروا الذهاب للسياحة أين سيتعلمون المهنة؟. ألا يحتاجون معاهد وبنى تحتية ومنشآت ومؤسسات وفرص عمل …إلخ. أليست هذه مسؤولية الحكومة التي يمثلها الوزير بأن تهيئ الأرضية اللازمة لهذا التحول ثم تشجع عليه. هل يعقل أن نطلب من الناس أن يفعلوا ما على الحكومة فعله.
خصوصاً أن الوزير الذي هو جزء من الحكومة صاحبة القرار في البلاد يرى أن سوريا يمكن أن تكون أهم بلد سياحي بالعالم. والمحاورة المستضيفة تؤيده في هذا القول بـ “نعم”. وبالتالي على الحكومة استثمار هذه الفرصة بتهيئة بنية السياحة. ويمكن مثلاً الاطلاع على تجربة مصر التي يقول الوزير أنه يأتيها 4-5 ملايين سائح سنوياً علماً أن معلومات معالي الوزير غير دقيقة ومصر استضافت عام 2022 قرابة 11 مليون سائح/ة. ومن المتوقع أن تستضيف في عام 2023 قرابة 15 مليون.
وأحسن دراما بالعالم “الدراما السورية”
حديث الوزير كان مليئاً بالتفاصيل المثيرة بالحقيقة منها مثلاً أيضاً حديثه عن موضوع الدراما وتساؤله “ليش ما بكون عنا 20 معهد للفن، ليش الأتراك سبقونا مع أنه عنا أحسن دراما بالعالم (حسب رأيه). ليش ما منخرج 200-300 فنان بدل 20-30 بالسنة. وبالحقيقة جواب هذه الليش ليس لدى الجمهور الذي استمع للمقابلة بل لدى الوزير وحكومته. “صحيح ليش ما عنا”.
الوزير أيضاً قدم تصوراً عن الحياة البائسة التي يعيشها الأكاديميون في سوريا. حيث لا يمكنهم الذهاب إلى السينما مثلاً بينما يستطيع العاملون المهنيون الذهاب إليها حسب قوله والاستمتاع بحياتهم. لكن هنا لا يقول لنا معالي الوزير أيضاً أين يوجد سينما يمكننا الذهاب إليها في سوريا؟.(على حد علمي ما في سينما وحدة فاتحة بالبلد).
مع كل الاحترام والتقدير لوزير التربية وما قاله في اللقاء بغض النظر عما إذا اتفقنا معه أو لم نتفق. إلا أنه دور الحكومة وليس دور المواطن. وتقع على الحكومة توفير الأرضية اللازمة لهذا التحول ثم دعوة الناس له فتوجيه المجتمعات تقوده الدولة وتحضره مسبقاً ولا يكون بالشعارات بل بالفرص والمسارات الحقيقية.
أما فيما يتعلق بتوصيف سوريا بأنها دولة سياحية ففي أفضل مراحل سوريا تاريخياً لم يكن لديها معدلات سياح جيدة مقارنة مثلاً مع الأردن ولبنان ومصر. ولم تكن دولة تجارة كبيرة أقلها خلال آخر 100 سنة وإنما كانت دولة ترانزيت. والتجارة التي يتحدث عنها الوزير تحتاج صناعة والصناعة تحتاج زراعة جيدة وتحتاج طاقة وموارد ونظام مالي وبنكي…إلخ وتحتاج تعليم وجامعات..إلخ أيضاً. إنها كلٌّ متكامل تقع مسؤوليته الأولى والأخيرة في تحقيقه على الحكومة التي بيدها السلطة وكل شيء.