الرئيسيةيوميات مواطن

“وحش البحيرة” في مشقيتا بطل حكايا الجدات والأمهات.. حقيقة أم خرافة؟

ماذا تعرفون عن "وحش البحيرة" أو "تنين السدود"؟

هي مجرد لافتة كتب عليها “ممنوع الاقتراب من البحيرة” لكنّها كانت كفيلة بأن تزرع الذعر في قلوب أطفال جيل كامل من سكان قرى ريف اللاذقية. وقد لا يختلف اثنان في قراءتها وفهم مغزاها إلّا أنها حملت لهم تنبيهاً صريحاً واحداً: “احذروا وحش البحيرة” في بحيرة مشقيتا.

سناك سوري- ميس الريم شحرور

أذكر جيّداً صوت جدّتي ونبرتها الخائفة من أن نغرق بالسد وهي تحذّر جدّي من اصطحابنا إلى البحيرة. وبلهجة صارمة قالت لنا: “لا ما بتروحوا، في بالبحيرة وحش بياكل الأطفال، ما شفتوا كيف كاتبين ممنوع السباحة في البحيرة “. حتى أننا عدلنا عن الرحلة وبقينا في المنزل خوفاً.

حمَت جدتي “أطال الله في عمرها” نفسها من هاجس الخوف علينا. لكنها زرعت داخل قلوبنا خوفاً كبيراً رافق طفولتنا، وأكاد أجزم أن كُثراً من أبناء جيلي ما زالوا يعيشون “هاجس وحش البحيرة في مشقيتا”.

كذلك ظلت السدود والبحيرات لسنوات طويلة أماكن محظورة من قائمة الرحلات. فما إن يعرض علينا الكبار فكرة الاختيار بين “بللوران” التي تشتهر ببحيرة جميلة تنتشر حولها غابة خضراء وهي رحلة طويلة. بالمقارنة مع الذهاب إلى التلة المطلة على قريتنا والتي يبدو البحر بعيداً وراءها. كنّا نرتجف وبدون تردد نصرخ “لا نريد البحيرة”. وإن مررنا بقربها كنّا نختبئ تحت مقعد السيارة حتى لا يفطن الوحش إلى وجود طفل صغير. ونغمض أعيننا لئلّا نراه.

أينما وجدت بحيرة أو سد مائي، كانوا على الفور يخبروننا عن وجود وحش برأسين فيه. هكذا اعتقدوا أنهم يحموننا دون أن يدركوا أنهم زرعوا فينا خوفاً كبيراً لازمنا سنوات طويلة لدرجة أننا لم نعد نعرف الوحش الحقيقي حين نراه. فالوحش يمكن أن تراه صباحاً يبتسم لك، أو من خلف الشاشات يحاضر بك. ليست كل الوحوش برأسين ولا كلها تسكن البحيرات.

أينما وجدت بحيرة أو سد مائي، كانوا على الفور يخبروننا عن وجود وحش برأسين فيه. هكذا اعتقدوا أنهم يحموننا دون أن يدركوا أنهم زرعوا فينا خوفاً كبيراً لازمنا سنوات طويلة لدرجة لم نعد نعرف الوحش الحقيقي حين نراه

لحظة انكشاف الحقيقة

هكذا اختار الكبار تصوير خطر البحيرات التي تبتلع أحياناً الأطفال حينما يكون “الوحش” جائعاً. إلى أن حان وقت الاعتراف بالحقيقة. فاختارت أمي مصارحتي وأختي أنّ “الوحش” خرافة تشبه كذبة “ابتلاع الذئب لجدة ليلى”.

وأقنعتنا أنّ “ثعبان البحيرة” موجود في كل مكان وليس بالحجم الذي صوّره لنا جدّي ولا كما أخبرتنا هي أنّه بقرون. ومع ذلك يجب الّا نقترب من السدود لأن فيها مادة تسمى “السيان” بمجرّد وضع أقدامنا في الماء تسحبنا نحو الأسفل وهذا تفسير جوع الوحش.

إلا أن الكذبة التي اتضحت لنا بقيت هاجساً لأطفال آخرين. أذكر جيّداً أن ابن جيراننا وكان صبيّاً يصغرني بعام واحد فقط. خرج معنا في رحلة إلى بلدة “السمرا” التي اشتهرت بعد تصوير “ضيعة ضايعة” بها. وما إن وصلنا بحيرة “بللوران” الواصلة بين “اللاذقية”  و”كسب”. ونزلنا لالتقاط بعض الصور حتى تسمّر في أرضه مذعوراً. وبرغم محاولاتنا لتهدئته وتوضيح الحقيقة بقي طوال الرحلة يفكّر “بالوحش”. حتى نام في منتصف الرحلة وهو يهلوس بـ”تنين البحيرة”.

زر الذهاب إلى الأعلى