والدي شريف…سأفسد ما أفسده الدهر – يزن كلش
حوار مع رفيق كادح
سناك سوري – يزن كلش
يدخل رافي في حيرة من أمره، لا يعلم كيف يتدبر نفسه، ويؤمن معيشته وأسرته، يمضي يومه بحثاً عن المال مع طموح لا يتوقف بالوصول إلى مكان يحصل من خلاله على الحياة التي يحلم بها في هذه البقعة الجغرافية، لا يسأم التجوال واللقاءات وتغيير الأعمال واستبدالها بأخرى، ليرسو في نهاية المطاف عند رفيق سابق لأبيه.
“أبوك نضيف يا عمو” يقولها الرفيق ويتابع حديثه عن الإنجازات السابقة في حياته المهنية وكيف عمل جاهدا في الحصول على الأموال، بـ “طرق شرعية”، وعندما انتهى من الكدح في العمل، قدم استقالته وابتدأ مشروعاً حراً يليق بمكانته الاجتماعية ويأخذ من خلاله المال الحلال.
الشاب المشدوه لهول ما سمعه من منجزات، توقف برهةً قبل أن يطلب من الرفيق متابعة قصة مسيرته النضالية وأعماله المُسرة وعن الطرق التي حصل بها على “الحلال”، ومع كل كلمة يتفوه بها يجد القوة والصلابة في الطرح وعدم الخوف من المستقبل، لا سيما أنه لم يتفوه حول مصدر أمواله، ويخرج أمام الناس كما لو أن ملعقة ذهبية كانت قد زرعت في فمه منذ ولادته.
اقرأ أيضاً عن العلمانية المفاجئة…دجني دجتك العافية!
عندما جاءت الوفود كنا في انتظارها يقول الرجل، ورحبنا بها، وقدمنا لهم واجب الضيافة لثلاثة أيام متتالية، وقدمنا مهرجاناً تعريفاً بحضارتنا وثقافتنا، وأقمنا لهم جولة سياحية لعدة مناطق، وسجلنا فاتورة بـ “المعلوم”، رفع رافي حاجباه وأطرق رأسه كي لا تظهر أمارات الاستغراب من كلام رفيق والده ويحرجه، إلا أن الرجل تابع كلامه متفاخرا بسلاسة دون أن يصاب بشيء من الحذق ويختم جولته بمقولة “أييييييه الله يخليلك أبوك كان زلمة”.
يبحث رافي عن مخرج من هذا الحديث وهو غير قادر على مجاراة الرفيق، ليجد الحل مع رنة هاتفه، يرد، ينهي الكلام ثم راح يضع هاتفه في جيبه سعيا للرحيل، إلا أن الرفيق باغته بسؤال قبل أن يتكلم، “علمتو لأبوك كيف يشتغل على السمارت فون؟؟!!”.
ضحك رافي بوضوح وقال للرجل، “ليس بشكل كامل، والدي يستطيع العمل عليه بطريقة مبسطة، ويسألني في بعض الأحيان عندما يستصعب شيئا ما، إلا أنه في الغالب يتدبر أمره بنفسه”.
قهقه الرجل وأخرج من درج مكتبه الفخم ٣ هواتف ذكية ووضعها على المكتب وتنهد بشيء من الملل “أنا والله يا عمو لهلق ما بعرف زبط الأرقام، كل ما بدي شي بقول لأبني “، يستغرب رافي من كلامه ويرد بسؤال، إذا لماذا كل هذه الهواتف لديك؟
تظهر علامات الاستغراب على وجه الرجل وكأن الشاب رافي قد أغفل فن البروتكول و “البروظة”، ويقول: “شبنا لك عمو هي أساسيات… في شغلات بالدنيا لازم تتعلمها، الناس الها حكمها من المظهر”.
يتابع الرجل حديثه، “كنا في الماضي نتباهى بعائلاتنا وأصولنا، ونتباهى بمراكزنا الاجتماعية وسياراتنا ومكاتبنا وأثاث المنزل ومن يأتي بالتلفزيون والتلفون (أبو قرص) أولا يرفع من مكانته أيضا.
ملّ الشاب التعيس من الكلام المعسول وحالة الرفيق الاجتماعية، فطلب الإذن وأخذ بالانصراف رفقة الرفيق إلى الباب فودعه وخرج ماشيا يفكر بما سمعه مع صدى يتابعه في رأسه “أبوك نضيف”، ظل يفكر بالنظافة وحسن الخلق والمكانة الرفيعة لوالده التي تركها بعد أن سارت الأمور بعكس ما اشتهاها وسفينته وأفكاره.
أخذ الشاب المأخوذ من كلام الرفيق يصنع المفارقات لدى ابنه سيارة ومال يفتتح بها المشاريع والمنزل ليتزوج والمكانة ليتوظف، يستطيع ابن الرفيق أيضا السفر وقضاء رحلة في بلدان لا يستطيع هو ابن النظيف الحصول على تأشيرة لزيارتها.
ملّ ابن الحلال من كثرة التفكير بعد أن وصل للحل الأمثل وهو السعي لتلويث ما كان أبوه قد نظفه، إلا أن سيارة سوداء تجر معها أخريات من الأسود “الطلس”، ذكّرته بأنه لا يستطيع أن يجد مكاناً يأخذ منه مالاً كما ذاك الشريف، لأنه لا يملك شهادة من الخارج تؤهله لبلوغ منصب ما على عكس ابن الرفيق الذي اجتهد ووصل ليكمل المسيرة.