“واقعية” أسوأ من الواقع .. عهد مراد
إرهاصات ثورة حقيقية قادمة تعيد القطار إلى السكة
سناك سوري – عهد مراد
ما الفائدة في أن يناضل المرء؟، بل ما الفائدة في أن يتمسك بالمبادئ والقيم التي يفترض أنه يعيش لأجلها ؟! عندما نسمع مثل هذا السؤال فإنه علينا أن ندرك أن في أصله جهل لفكرة النضال وبالتالي ما ينتجه هذا النضال من ثورات !
كيف لك أن تسأل عن فائدة إذا كنت ثائراً، هل سبق وسمعت أن ثائراً يدرس الجدوى الاقتصادية لثورته؟!
انطلق من هنا لأدرج قراءة حول مفردات الفائدة والمنفعية التي تروج كثيراً هذه الأيام لابسةً ثوب الواقعية السياسية؟! والذكاء الدبلوماسي مُثبتةً أن حالة غير أصيلة كانت تشهدها ميادين البلاد – لم نكن ننتظر الإثبات الآن ولكن ندرجه لمن يحتاج إثباتاً– وأن من سرق أحلام الشعب يضعها الآن في سوق دراسة الجدوى ليعرف ما يمكن أن يستحصله منها .
كيف لنا في هذا العرض أن نقنع انتهازياً وقاتلاً بأن نجاح العميل ليس المعيار الوحيد للحقيقة، بل أنه في نظام عالمي كالنظام الذي نعيشه هو معيار قوي لإثبات أنك تسبح خارج الحقيقة، الحقيقة المرتبطة بمنظومة حقوق يتكالب عليها كل الخصوم لأن منحها لأصحابها يضعها في إطار خارج الشرعية !؟ الشرعية التي لا يناضل أحد للحصول عليها اليوم بل يناضلون لإلغاء مفاعيلها باعتبارها فكرة غير واقعية والواقعية السياسية تفترض غير ذلك …
ثم إنه من المضحك والمعيب أن تستخدم ذرائعك بحجة الواقعية السياسية والتي تقول نفسها أن النظرية يتم استخراجها عبر التطبيق، ما النظرية التي سيستخرجها السوريون بعد هذا التطبيق المهين للممارسات السياسية المستبدة من جهة والطفولية من جهة أخرى.
اقرأ أيضاً: وفد الجمهورية غائب
هي واقعية التخلي عن الحقوق لصالح التوازنات، هي الواقعية التي اشتهرت في العلاقات الدولية فأنتجت دولة “أوسلو” منزوعة الأظافر وأنتجت صحراء “كامب ديفيد” في “مصر”، هي الواقعية التي أنتجت اتفاقية “أضنة” هي الواقعية التي حذفت “لواء اسكندرون” من خريطة “سورية”.
الواقعية السياسية ليست منتج ثورات، لأن الثورات غير الانقلابات ولا يكون هدفها تغيير الأسماء بل تغيير الواقع، أما الثائر الواقعي فهو منكفء في بيته يقرأ ويحلل الواقع ويشتم القدر الذي جعله خارج دائرة الفعل ليراقب كيف تتحول المناهضة إلى معارضة والمعارضة إلى جسم والجسم إلى شريك في منظومة الاستبداد.
كل ما أريد قوله الآن أن هذا المدخل الخاطئ الذي يلج منه أصحاب الواقعية السياسية يخلطوا فيه بين كثير من المفاهيم والأدبيات التي ينبغي أن تكون نصب عين مريدي الإصلاح وبالتالي ذهبوا إلى سلوك يأخذهم باتجاه الخلاص الفردي أو خلاص الجسم وليس خلاص الشعب والقضية. وسيظل للشعب رأي في هذه التجربة التي ستتعرض لنكوص مدوي إذا ما بقيت على هذه الحال.
وخير دليل التجربة التي أنتجت (ديمقراطية )الجبهة الوطنية التقدمية، تلك الطرفة التاريخية التي استطاع نظام البعث صناعتها ليرضي لصوص النضال ويضعهم معه في نفس الخندق مقابل الحالات الأصيلة.
اقرأ أيضاً: بوصلة المصطلحات (أنا مع مين؟؟؟)
ليبقى السؤال هل إعطاء الشرعية للمستبد أو القاتل بحجة أزمة البلاد و رغبة الخلاص فيه مسحة صواب على المستوى الوطني أم هو طريق لنكوص انفجار جديد كتجربة مشابهة لطائف لبنان ؟.
هل الثقافة التي أورثنا إياها الإقطاع والتي تداولها بعض جدودنا بمعنى ( اللي ما بتقدر ليه حيل الله عليه، أو ظالم ما فيك لظلمو بعد عنو .. ) والتي تكرس فكرة التنازل عن الحق مقابل ( هداوة البال ) هي الخلاص ؟ وهل هذه الردة بالعودة لهذا الخطاب في لبوس الواقعية السياسية هو جزء من عملية نضالية أم متابعة في سياق التبعية للقوى في وجه الحقوق؟.
يبدو أنه لابد من الاعتراف بالهزيمة فحسب، الهزيمة بإنشاء معارضة وطنية ديمقراطية حقيقة و وطن لكل السوريين وتعليق هذا الأمل حتى يكبر وينشأ ( ما يفش الغل ) وإلا فإن كل الأجسام الهجينة التي تنتج عن تسويات ومحاصصات ليست إلا أسساً لإرهاصات ثورة حقيقية قادمة تعيد القطار إلى السكة.
اقرأ أيضاً: مقتضيات مصلحة عامة …