هنيئاً لنوال السعداوي الشتائم التي تلقتها – أيهم محمود
اللهم أنعم علينا بما أنعمت على نوال السعداوي من شتائم وأحقاد
سناك سوري-أيهم محمود
يُقاس نجاح أي مثقف في المجتمع بما يُحدثه من ألمٍ لدى أصحاب العقول المغلقة والبصائر المتحجرة، عندما نرى حجم الحقد والشماتة التي رافقت خبرة وفاة الكاتبة المصرية “نوال السعداوي”، نعلم بدقة مدى نجاحها في مهمتها ومدى التزامها الأدبي والأخلاقي بما توجب عليها فعله تجاه مجتمعها بأفضل ما يمكن من إخلاص واهتمام وتحمّل للمسؤولية.
تشكل حالة نوال السعداوي نقطة ارتكاز مضيئة في تاريخ المنطقة وتاريخ مجتمعاتها وهي تذكيرٌ دائمٌ للسياسيين والمثقفين المزعومين، خُدَام الاتجاهات والتيارات الدينية والطائفية بالفرق بينها وبينهم، تستطيع كفرد أن تزعج السلطات السياسية ثم تستطيع الظن أنك أصبحت بطلاً هاماً لكن فكّر ولو لمرة واحدة في إزعاج عشرات الملايين من البشر حولك دفعةً واحدة، ثم الذهاب إلى السوق لشراء غذائك وحاجاتك، إنه التحدي لهم والتضحية من أجلهم وأجل مستقبلهم بآن واحد، هذه هي حالة نوال السعداوي، مقابل حالة أبطال السياسية ومثقفي الحدود المرسومة الذين لا يرغبون في تجاوز الأسوار حولهم من أجل الحفاظ على رضا جزء من المجتمع يعتبره مثقفوا الجماعات أنه خط حمايتهم وملاذهم الآمن حين الضرورة.
اقرأ أيضاً: اتحاد المدراء العالمي – أيهم محمود
نوال السعداوي التي تجاوزت فخر الرجال بصراعاتهم السياسية والدينية، التي لم تثمر في تاريخنا الحديث غير زيادة التطرف والتعصب الاجتماعي، هزّت بوعيها الفريد مجتمعاً بأكمله بينما هرب الرجال -الفخورين بذكورتهم كفارقٍ جسديٍ وحيد يميزهم عنها- من استحقاقهم الاجتماعي الرئيسي إلى عالم السياسة والصراع السياسي، لا يوجد رجل وأنثى في رحلة الوعي البشري بل يوجد إنسان له عقل، ونوال السعداوي خير من مثل هذه الصورة أثناء خدمة مجتمعها وصراعها مع قوى التخلف فيه.
في الصراع السياسي أو الديني يكسب المرء جزءاً من المجتمع، بينما يصارع مجموعاتٍ أخرى فيه، في الصراع السياسي هناك دائماً جماعة يلتجئ الفرد إليها مهما كان تعدادها صغيراً، الحالة مختلفة لدى المثقف الثائر على قوى السكون والتراجع في مجتمعه، المثقف هنا يعادي جميع الاتجاهات الخطرة في المجتمع، ولا يعلم شكل الضربات التي يمكن أن توجه له، كانت نوال السعداوي سعيدة الحظ نوعاً فعاشت طويلاً ولم تواجه مصير فرج فودة.
هنيئاً لنوال السعداوي الشتائم التي تلقتها بعد وفاتها فهي موضع تمني وحسد -على الأقل من قبلي- ، أدعو الله أن يهبني ما وهبها طمعاً بالخير لا حسداً لما نالته منه ومنهم وهي تستحقه فعلا، تستحق نوال السعداوي بجدارة واقتدار كل شتيمة تم توجيهها لها، مباركٌ ما فعلتْ بهم، ومباركةٌ خطوات كل من يسير على دربها ليكمله، مباركةٌ خطوات كل من لديه القدرة على التعلم منها والتعلم من تجربتها في تحريك الساكن والراكد في المجتمع بقوة كما فعلت، لا يوجد حل آخر مع النيام والمغيبين بالأوهام غير تكرار محاولات الإيقاظ لكي لا يسرقهم -ويسرقنا معهم- الغياب والدمار الذي يتبعه.
اقرأ أيضاً: هل يواجَه الغزو الأميركي بالانعزال الثقافي؟ – أيهم محمود