هل يقتلكم البرد ؟ سوريون يقتلهم نصف الدفء ونصف الموقف!
في الدفء لاتنسوا السوريين الذين يسحقهم البرد والحرب وخطاب الحقد
سناك سوري _ محمد العمر
يقول الشاعر العراقي “مظفر النواب” في قصيدته “في الحانة القديمة”: « أ يقتلكِ البرد ؟ أنا يقتلني نصف الدفءِ ونصف الموقف أكثر».
ربما يوحي المنخفض الجوي الذي يعصف بـ”سوريا” هذه الأيام بالإحالة إلى مقطع “النواب” الذي حمّل قصيدته نقداً سياسياً لاذعاً للموقف العربي حينها، إلا أنه ونظراً لطبيعة الإبداع الشعري ينطبق معناه على الوضع السوري الحالي.
فبينما يرتجف السوريون لشدة البرد في الشوارع والبيوت وسط شحّ المازوت وانقطاع الكهرباء وصعوبة تأمين وسائل التدفئة، فإن نصف الدفء الذي يتنعّم به بعض السوريين يبدو قاتلاً أمام كل البرد الذي يفتك بآخرين منهم، بالترافق مع نصف الموقف تجاه أولئك المسحوقين بقسوة الطبيعة والإنسان.
حيث تزامنت الظروف الجوية السيئة التي تمرُّ بالبلاد مع تصعيد الأعمال العسكرية في الشمال السوري، الأمر الذي أجبر عدداً كبيراً من المدنيين على النزوح من مناطقهم نحو المجهول هرباً من الحرب، وعلى الرغم من الاعتبارات السياسية والعسكرية واتّساع ملف الجدل حول العمل العسكري فإن الخاسر الأكبر بدون منازع هم أولئك المدنيون الذين خرجوا من بيوتهم مكرهين على وقعِ المعارك.
في المقابل فإن التجييش وخطاب الكراهية الذي تتبناه عدة وسائل إعلام خاصة صفحات “الفايسبوك” التي باتت وسيلة رئيسية للوصول إلى الجمهور، وضعَ أوصافاً تتعلّق بالموقف السياسي على أولئك المدنيين، داعياً إلى التشفّي بهم وعدم النظر إليهم كمدنيين سوريين اضطرهم القدر للوجود في مناطق أنهكتها الحرب وانتهت إليها.
اقرأ أيضاً:بالفيديو: طلاب يلتحفون البطانيات بسبب غياب المازوت عن المدرسة
يشبه هؤلاء المدنيون الذين يقاسون الآن في العراء تحت البرد، شبان “سوريا” الذين أكلت الحرب أعمارهم وهم يحاربون، بينما كان من المفترض لهم أن يمضوا سنوات شبابهم في ظروف طبيعية بين عوائلهم وأصدقائهم وأحبتهم في الوقت الذي يطبق عليهم البرد الآن في الخنادق وميادين القتال.
“نصف الموقف” يندرج أيضاً على “الأشقاء العرب” الذين ينعمون بدفء النفط ويتركون السوريين في صقيع البرد بسبب حربٍ اعتبر خلالها “الأخوة” العرب أن “سوريا” صيدة يتهاوشون عليها، وأرسلوا إليها سائر أنواع السلاح و “المجاهدين” عوضاً عن إرسال نفط يسهم في دفء سوريين زعموا أنهم يريدون نصرتهم.
بردُ السوريين القاطنين أيضاً في دمشق وحلب واللاذقية ودير الزور بعيداً عن معارك الشمال أيضاً جاء بفضل إجراءات الدول الغربية لـ”حماية المدنيين” عبر منع توريد أي شيء إليهم، سواءً من النفط أو الغاز وصولاً إلى الدواء والمعدات الطبية والغذاء، في الوقت الذي تزعم فيه الدول الغربية أنها تبشّر بقيم العدالة والإنسانية والديمقراطية في “سوريا” وأنها تخاف على مصير السوريين لكنها تتركهم يعانون من وطأة العقوبات الاقتصادية والتجويع المتعمد في سبيل “حمايتهم”.
«أنا يقتلني نصف الدفءِ ونصف الموقف أكثر» نصف الموقف تجاه السوريين ككل يصيبنا بمقتل، ويزيد من عمق مأساتنا، وخطاب الحقد والتوجيه للمزيد من الكراهية سيسبب لاحقاً كارثة بحق أجيال سترث ما يتم تكريسه من انقسام وتجييش، بينما ينبغي على كل سوري أن يتذكر في دفئه أن سوريين آخرين يقتلهم البرد فلا يزيد قتلهَم بموقفه أو نصفه.
اقرأ أيضاً:“إسراء قداح”.. ضحية السخانة والبرد والحرب!