هل يسقط الفقر من حياتنا كما سقط النظام؟
هل يمكننا هنا في الساحل السوري أن نعود على قيد الحياة؟
الثالثة فجراً، يرّن جرس المنبه، أقوم متثاقلة أودع سريري الدافئ باتجاه الصالون البارد، حان الآن وقت العمل. يرّن المنبه مرّة أخرى، السابعة صباحاً حان موعد استيقاظ طفلتي وتجهيزها للمدرسة، تودعني بابتسامة وأعود إلى ذلك اللابتوب الذي كرهته لدرجة الحلم بعمل بعيد عن الشاشات. طيلة 8 سنوات وأنا أحلم بحياة طبيعية تحتوي بشراً خارج الشاشة. الحلم الذي بدا لي أنه قد يتحقق بسقوط النظام وزوال أسباب الفقر!
سناك سوري-داليا عبد الكريم
من أصل 24 ساعة في اليوم، عملت لنحو 12 ساعة بالمتوسط، لآمن شرّ الفقر الذي لا أطيقه، أنا إنسانة ومن حقي أن أعيش. أن أحصل على ما أريد، من حق طفلتي أن ترتدي ملابس سميكة شتاء وأخرى قطنية مريحة صيفاً. من حقها أن تتناول طعاماً صحياً، أن ترغب بنزهة وتحصل عليها.
تلك الحقوق التي أمعنّ النظام في طمسها تحت شعار “الصمود” لم تسمح لي إنسانيتي أن أطمسها لدى طفلتي تحت تبرير “الفقر”. فأنهكت جسدي الذي أعلن تمرده بعد 5 أعوام، لم يسقط جسدي لكن سبب الفقر قد سقط أو هكذا أعتقد!. فهل يسقط الفقر معه ونعيش حياة كريمة في المستقبل القريب؟!.
كُلنا لدينا أحلام بواقع خالٍ من الذل والتعب حدّ الإنهاك، مثلاً، جارتي الستينية في القرية الريفية باللاذقية حيث أعيش. والتي لم تتوقف يوماً عن العمل حتى باغتها السرطان فألزمها منزلها، ربما تستطيع اليوم الحلم بالحصول على جرعات العلاج دون أن تدفع 700 ألف ليرة لكل زيارة مشفى. يؤمنها لها أولادها الستة مقتطعين اللقمة عن أفواه أطفالهم.
اسغلال حاجة الناس وفقرهم
جاري الآخر الذي لم يزر مدينة اللاذقية منذ أكثر من 6 أعوام لأنه “فراري” (هربان من الاحتياط). يستطيع اليوم الحلم بالخروج من قريته والبحث عن عمل أقلّ استغلالاً. فلن يجرؤ أحد بعد اليوم اشتراط أجرة قليلة عليه لأنه يدرك بأن لا سبيل لدى الرجل سوى البحث عن عمل بمساحة جغرافية فقيرة لا تتجاوز عدة كيلومترات.
قريبتي التي انتظرت بداية العام الدراسي الحصول على ملابس لطفلتها من أي مكان كهدية، لأنها لم تكن تملك 150 ألف ليرة ثمن بنطلون جينز. أعتقد أنها تمتلك اليوم حلم عدم تكرار هذه المعاناة العام القادم.
الفقراء الذين دمر منزلهم الزلزال مازالوا في العراء
جيراني الذين خرجوا من منزل هدمه الزلزال، ومنذ ذلك الوقت يعيشون في منزل العائلة ويبحثون عن مكان يحتضنهم بإيجار رمزي دون أن يجدوا. ألا يحق لهم اليوم الحلم بعودة المنزل عوض البحث عن إيجارات والركض خلف سلة معونة لا تطعم جائعاً؟.
صوت معدة زملائي
زميل العمل الحكومي، الذي كانت أصوات معدته تصل إلى مسامعي بينما تتصاعد رائحة الفطائر من البوفيه. ثم يتجاهلها ويقول “آخد برد شكلني”، ربما يمتلك اليوم حلم شراء فطيرتين دون أن يجري حسبة عميقة لكيفية تقسيم راتب الـ300 ألف. ومثله زميلي الآخر الذي كانت عيناه تذهبان باتجاه فنجان قهوة لا يمتلك ثمنه.
جارتي الأخرى، التي تعمل أعمالاً مجهدة في مؤسسة الريجة ببيئة عمل غير آمنة ولا صحية. براتب 278 ألف شهرياً يقتطع منها 15 ألف عن كل يوم غياب. وسبق وتعرّضت لإصابة عمل وهددت بالفصل إذا لم تلتحق سريعاً رغم مرضها. أحب أن أحلم أنها ستحصل على حقوقها اليوم كأي كائن بشري آخر على سطح الكوكب.
لا تتسع السطور لكتابة قصص معاناتنا هنا في الساحل السوري، أبداً لا يمكن أن تتسع الصفحات لا أن تسعفنا الكلمات. في كل بيت هناك حكاية فقر وهمّ، كثير منها انتهى بجلطة قلبية ليستريح من بات تحت التراب ونشقى نحن الذين نعتقد أننا على قيد الحياة.
هل نعود على قيد الحياة حقاً؟ يا الله ما أجمل استعادة القدرة على الحلم!.