هل ذبحت لكم أمهاتكم طير الحمام لكي تناموا؟ – ناجي سعيد
عن العنف في تربيتنا وأثره على شخصيتنا
سناك سوري – ناجي سعيد
دائماً ما يراودني سؤال: لماذا أخترت أن أكون لاعنفيًّا؟ ولماذا يقشعرّ بدني حين أسمع خبرًا دمويًا، سواء كان جريمة أو حرب أو ما شابه، ثم أتذكّر ما قالته لنا الدكتورة في الجامعة، بأن الطفل من عمر صفر إلى سنتين، يخزّن في عقله وتحديدًا في اللاوعي كُلّ ما يتلقّى من أهله ومُحيطه من تصرّفات وسلوك ولغة ومفردات ليستخدمها لاحقًا حين ينطلق لسانه للكلام والتواصل بلغة العالم.
لُغة العالم حيث يُسجن الطفل الكبير بعدد السنوات والصغير بعدد التجارب التي تعلّم منها، فقد توقفت رحلة التعلّم بقرار جماعي موروث عند الإنسان الذي بقي سجين طفولته مع التسليم بقدرته على استعمال أدوات الكبار لُغويًّا وسلوكيًّا، وقد استخدمت مصطلح “طفل” للصغير والكبير، لأن مُعظم الناس لا يبلغون سنّ النضوج في كِبَرهم، فهمّ يكبرون من كثرة الأيام وكثافتها في حياتهم، بينما ينضج الإنسان الحقيقي من يستفيد من تجارب حياتيّة علّمته الكثير.
يبقى النضج قرارًا صعبًا لدى الإنسان، هذا لو علمنا بأن التربية بحسب العلماء هي ما يكتسبه الإنسان من مرحلة الطفولة ويترسّخ عنده ليُشكّل شخصيّته الناضجة بحسب معايير يفرضها المُجتمع، وهذا النضج بشكلٍ ما هو رفض للمجتمع ومعاييره، فقرار التغيير فردي، هذا لو اعتبرنا النضج هو عملية تغيير لآثار الماضي التربوي على شخصية الإنسان.
وأذكر هنا العالم “فيلهلم رايش” في كتابه “خطاب إلى الرجل الصغير” ..”هذه المعرفة وحدها قادرة على أن تقف ضدّ إدمانه للسلطة”.. والمعرفة عنده هي كيف يتعرّف الانسان إلى الواقع، وإلى المسؤوليّات التي تقع على عاتقه كإنسان ناضج ورجل كبير. ومن ناحية متابعة المسار التربوي للإنسان حين كان طفلاً، لا بدّ لنا من تقليب صفحات الطفولة لإبراز أخطاء الأهل:
بعض الثنائيّات يرتبطان ويتزوّجان بناءً على رغبة الأهل وليس رغبتهما وحبّهما، وهذا بداية الخطأ، فالحبّ لقاء وتعارف وانسجام وتشارك بالحياة. ثمّ تأتي الخطيئة الثانية المُدمّرة بالواقع للطفولة لو تعمّمت، الإنجاب من غير قصد. وتتجسّد هذه الخطيئة سلوكًا لفظيًّا، حين يصرّح بعض الآباء والأمّهات على مسامع أطفالهم: ” أصلاً نحنا جبناك بالغلط، ما كان بدنا ولاد”.
وينعكس هذا الخطأ العابر بنظر الأهل، الراسخ في لاوعي الأطفال، على وعيهم وإدراكهم لفكرة هويّتهم الوجوديّة. فيظنّ الطفل بأنه مخلوق غريب وغير مرغوب به، ويشكّل عبئًا على أهله، ويلازمه الشعور بالذنب، وينعكس على شخصيّته بسلوكها وتصرّفاتها ووعيها السلبي.
اقرأ أيضاً عقدة اللغة والهوية … ناجي سعيد
يأتي الخطأ التاني بلباس تربوي موروث من التقاليد والعادات الإجتماعية التي نتربّى عليها منذ طفولتنا. فمن منّا لم يُغنّي لطفله ما كان أهله يغنّونه له لينام: ” يلاّ تنام يلاّ تنام
لذبحلك طير الحمام
روح يا حمام لا تصدّق
عم بضحك عا طفلي تا ينام
واستنادًا إلى أن ما ذكرناه عن أهميّة مرحلة الطفولة في تشكيل شخصيّة الإنسان، يُخزّن مضمون هذه الأغنية (مثلاً) مفردات بمعاني مؤذية تربويًّا للأطفال. ثمّ يشكو الأهل لاحقًا من العنف بين أطفالهم، دون أن يُدركوا أنّهم المصدر الأوّل لهذا العنف، فهم يملؤون خزّان اللاوعي عند أطفالهم بالعنف والكذب وما شابه.
ليس هذا إفتراءًا، ألا تتضمّن الأغنية: “.. بضحك ع طفلي لينام!!”. ثُمّ يضيف إلى مخزون العنف وأثره طريقة التواصل المُحيّرة بين الأهل وأطفاله. فدماغ الطفل لا يُدرك إلاّ معنى واحدًا لأي مفردة تُقال أمامه، فكيف يفهم دماغ الطفل المُزاح المُغلّف بالعنف اللفظي من قبل الأهل: ” بدّي عضّك وآكلك قدّ ما مهضوم وحلو!!..” ومن الأمثلة الغريبة طريقة نداء الحجّة أم عبدو لأبنها محمود: ” محمووود تعا يا تقبرني تعا”… ثمّ كيف تتحوّل طريقة ندائها لأبنها حين لا يتجاوب معها من محبّة وعاطفة زائدة إلى غضب وعنف لفظي : “.. ولا تعاااا ريتني أقبرك انشالله”!!
إننا اذا نسترجع هذه الموروثات من تربيتنا وثقافتنا التربوية، نريد أن ندعو الأهالي للتفكر والتمعن قليلاً في طريقة تربيتهم، فيما يقولونه لأطفالهم فيما يعلمونه لهم دون أن يشعروا، وفي أثر ذلك على شخصية أطفالهم مستقبلاً….
اقرأ أيضاً من يعطي الأوامر للدماغ بالحركة.. ناجي سعيد