هل تستعيد وزارة الإعلام دورها الطبيعي في حماية الصحفيين؟
وزير الإعلام يواجه هجوماً بسبب موقفه من ضمان حرية العمل الصحفي

قبل سنوات، كان الحديث عن دور فاعل لوزارة الإعلام في حماية الصحفيين السوريين، أشبه برفاهية لا مكان لها في المشهد المعقد للبلاد، أما اليوم، فتظهر مؤشرات مختلفة تشير إلى احتمالية استعادة الوزارة دورها الطبيعي، لا بوصفها سلطة رقابة، بل كجهة تعنى بالحريات الإعلامية وتنظيمها ضمن قواعد قانونية واضحة.
سناك سوري-دمشق
أحدث هذه المؤشرات تمثّل في تدخل وزير الإعلام حمزة المصطفى بشكل مباشر في قضية توقيف الصحفية نور سليمان، حيث أعلن عبر صفحته الرسمية أنه تواصل مع وزير الداخلية، وتلقى تجاوباً بالإفراج عنها بكفالة وزارة الإعلام، على أن يتم العمل على إغلاق الملف خلال أيام.
وكتب الوزير أن التوقيف لا يتعلق بمسائل صحفية، مشدداً حرص وزارته على حماية الحريات الصحفية وحقوق العاملين في الإعلام، داعياً في الوقت ذاته إلى الابتعاد عن خطاب الكراهية والطائفية والشعبوية، التي اعتبر أنها أضرت بالمشهد الإعلامي، حتى بعد سقوط النظام السابق.
هذا التدخل، الذي يأتي في وقت دقيق تمر فيه البلاد بمرحلة انتقالية، يعيد النقاش حول موقع وزارة الإعلام في منظومة الحريات العامة، خصوصا مع استمرار التوقيفات التي تطال صحفيين وصحفيات في مختلف المناطق، وعلى خلفيات متعددة.
في المقابل، كان لافتاً حجم الهجوم الذي تعرّض له “المصطفى” بعد إعلانه التدخل للإفراج عن “نور سليمان”، من قبل أشخاص دافعوا عن الاعتقال التعسفي واعتبروا الحرص على منعه هو “واسطة” و”محسوبيات” و”تجاوز للقانون”، متجاهلين أن الاعتقال التعسفي إجراء غير قانوني طالما استخدمه نظام “الأسد”، حيث يتم اعتقال الشخص في فرع أمني دون إذن من النيابة أو أمر قضائي ودون السماح بوجود محامٍ برفقته لمعرفة التهم الموجهة إليه، وفي معظم الأحيان تُمنع عائلة المعتقل من زيارته أو رؤيته، الأمر الذي يظهر خللاً في مفهوم “دولة القانون” التي يريدها البعض، بأنها تلك التي تطبّق “القانون” على الهوى الشخصي والانفعال والثأرية حتى بوسائل غير قانونية مثل الاعتقال والأفرع الأمنية.
وزارة الإعلام وحماية حرية العمل الصحفي
وفي منشور آخر، قال الوزير إن وزارة الإعلام “سوف تضطلع بضمان حرية العمل الصحفي”، معتبراً أن الإفراج عن الصحفيين لا يلغي المسار القضائي، بل “يفتح له طرقاً مختلفة بأساليب مغايرة، وهذا النهج الذي ينبغي أن يسود في دولة العدل والكرامة”.
تلك العبارات، وإن بدت متحفظة، تشي بمسؤولية رسمية تسعى لإعادة الاعتبار لدور الوزارة، ليس فقط في التنظيم الإداري، بل في الوقوف بين الصحفيين وسلطة الاعتقال، خاصة حين لا تكون التهم مرتبطة فعلياً بعملهم المهني.
صحفيون ونشطاء عبّروا عن تقديرهم لما وصفوه بـ”الشجاعة السياسية” في تدخل الوزير العلني، رغم إدراكه لحجم الهجوم المتوقع عليه، معتبرين أن هذه الخطوة قد تكون بداية لتحوّل في عقل الدولة تجاه الإعلام.
في بلد لطالما ارتبط فيه الإعلام بـ”الناطق الرسمي”، تبدو الحاجة ملحة اليوم لتفعيل مؤسسات الدولة لاقتراح نموذج جديد، يقر بالحق في التعبير والمساءلة، دون أن ينزلق إلى الفوضى أو التحريض.
الاعتراف وترتيب الأولويات
الوزير القادم من خلفية إدارية لمؤسسة إعلامية خاصة، حاول الخروج ولو بقدرٍ محدود عن صيغة الخطاب الرسمي في ملف مثل “أحداث السويداء”، وقال في تصريح نقلته قناة “الحدث” أن الدولة تتحمل مسؤولياتها إزاء أغلب الانتهاكات في “السويداء” وتتعهد بالمحاسبة، علماً أن “المصطفى” لم يقل أن الدولة هي المسؤولة عن الانتهاكات بل أشار إلى مسؤوليتها تجاه ما حدث ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
من جانب آخر، كتب “المصطفى” منشوراً طويلاً تحدّث فيه عن أولويات المرحلة الحالية بالنسبة لحرية الصحافة في “سوريا” والتي تظهر المؤشرات الدولية أنها من الأسوأ عالمياً على هذا الصعيد، وتحدّث عن أن القوانين هي الحل النظري لكنها تصطدم بالتطبيقات الواقعية لا سيما في المراحل الانتقالية.
وأشار إلى أنه في مثل هذه المراحل تلجأ الدول إلى كتابة مدونات أخلاقيات المهنة بصيغة تشاركية مع فاعلين محليين ونقابات لضمان وجود توافقات عليها دون فرضها بالقوة ثم يأتي القانون ليتوج القواعد الناظمة للعمل الصحفي والحريات ويفسح المجال للقضاء ليأخذ دوره.
معتبراً أنه حتى الوصول إلى مرحلة التطبيق الشامل للقوانين القديمة والجديدة والمعدّلة، فإن الوزارة ستضطلع بضمان حرية العمل الصحفي مع التركيز على محاربة خطاب الكراهية والتحريض الذين انخرط به عدد من معارضي الحكومة ومؤيديها وفق حديثه، مع الإشارة إلى أن الإفراج عن الصحفيين لا يسقط المسار القضائي عنهم.
لا تبدو المهمة سهلة أمام وزارة الإعلام لاستعادة شيء من دورها في حماية الصحفيين داخل بلدٍ عاش قمعاً طويل الأمد للحريات وللصحافة، ولكن هذه المهمة تحتاج خطوة أولى ولو كلّفت شيئاً من الرصيد الشعبي لمن يتخذها لصالح رصيد يُبنى عليه لاحقاً في وضع قوانين وقواعد تنظّم العمل الصحفي والتعامل مع الصحفيين، وصولاً إلى مرحلة تطوي فيها سوريا إلى الأبد ملف اعتقالات الصحفيين بسبب عملهم أو آرائهم أو مقالاتهم، ويصبح القانون والقضاء حكماً فيصلاً في المسائل التي تخصهم بما فيها اتهامات “الإساءة، القدح والذم، التحريض، خطاب الكراهية” دون اللجوء إلى وسائل مثل الاعتقال في الأفرع الأمنية.