الرئيسيةرأي وتحليل

هل المشكلة في البضائع الصينية حقاً؟ – أيهم محمود

هل الغش محمود ومحترم إن كان يؤدي إلى الغنى؟، إن كان الجواب نعم: فلماذا إذاً نشتم تجارنا

سناك سوري-أيهم محمود

وضعت خلال الأعوام الماضية على صفحتي في الفيسبوك عدة منشورات، قلت فيها أن نسبة غير صغيرة من البضائع الصينية التي تصل إلى سوريا هي عبارة عن غش صريح وضياع أكيد للمال المدفوع ثمناً لها، حصدت المنشورات حول الانتاج الصيني تعليقات متنوعة، حمل قسم مهم منها اعتراضاً شديداً على الفكرة المطروحة فيها، أذكر في هذا المقال الأفكار الرئيسية الواردة في الاعتراضات على ما قلت من رأي، ثم أطرح أسئلة لن أقدم أجوبة مباشرة على معظمها، لكن في نهاية النص سأدون موقفي النهائي بوضوح ودون مواربة.

تلخصت الردود المدافعة عن ثقافة الانتاج الصينية بالمحاور التالية:

– الصناعي الصيني لا ذنب له، المسؤول الأول والأخير عن هذا الأمر هو التاجر السوري، الذي يطلب مواد مخالفة للمواصفات لزيادة أرباحه.

– هذا الأمر مسؤولية الجهات التي تقبل إدخال مثل هذه المواد إلى سوريا، يطرح المعلقون على المنشورات مسألة التزام الشركات الصينية بإرسال بضائع عالية الجودة إلى أسواق أوروبا والولايات الأمريكية المتحدة، كشاهدٍ على صحة اعتراضهم، إذاً المشكلة كلها تكمن في منظوماتنا الرقابية وليس للجانب الصيني أي مشاركة فيها.

– تجنبت بعض التعليقات الهجوم على الجانب السوري، واكتفت بالقول أن هناك بضائع صينية جيدة، وأخرى سيئة وكل إنسان يختار ما يريد!.

معظم المدافعين عن ثقافة الانتاج الصينية يحمّلون التاجر السوري، كامل المسؤولية عن البضائع السيئة الموجودة في الأسواق والتي نضطر لشرائها بسبب عدم توفر البدائل الجيدة عنها، أو بسبب ضعف قدرتنا الشرائية واضطرارنا للقبول بها مرغمين.

طرحت على المدافعين السؤال التالي: لماذا ينجح التاجر السوري في إقناع المعامل الصينية بإنتاج بضاعة سيئة لتوريدها إلى سوريا ولا يستطيع فعل ذلك في دولة أخرى مثل ألمانيا على سبيل المثال؟.

لا أحد يرغب بالإجابة على هذا السؤال الاشكالي بشكل مباشر، متجرداً من عواطفه وتوجهاته الثقافية، فهل هذه التوجهات هي كل أسباب السوريين للدفاع عن ثقافة التجارة والتصنيع الصينية؟.

اقرأ أيضاً: هنيئاً لنوال السعداوي الشتائم التي تلقتها – أيهم محمود

لنطرح هذه المسألة بصيغة أخرى: هل نقبل أن تكون ثقافة الإنتاج الصينية مثالنا الأخلاقي الرئيسي في مرحلة إعادة إعمار سوريا ثقافياً وصناعياً أم نتوجه للتعلم من الثقافة الصناعية الألمانية أو الأمريكية؟، ماذا يريد السوريون وبما يرغبون حقاً: أخلاق الصناعة الألمانية أم أخلاق الصناعة الصينية؟.

لماذا يشتم السوريون تجّارهم بقسوة، بينما يمدحون في الآن ذاته تجارة الصين ومصانعها، التي ترسل خليط المنتجات السيئة والجيدة إلى سوريا؟.

إن امتلك المعلقون المدافعون عن ثقافة الإنتاج الصينية مصانع في سوريا، هل سيعتمدوا منهج الصناعة الألمانية ذات السمعة الجيدة في العالم أم هم مغرمون بل عاشقون لثقافة الإنتاج الصينية؟، هل هم موافقون على مشروعية غش المنتجات والصناعات وعلى مشروعية عدم التقيد بالمواصفات وعلى مشروعية أذية بقية البشر في أموالهم وأعمالهم؟، هل هذا مقبول أخلاقياً وإنسانياً؟ وهل هذا ما نسميه شطارة في التجارة؟.

لماذا نشتم التجار السوريين وندينهم بأشد العبارات والأوصاف، ثم ندافع في الوقت ذاته عن نظرائهم الصينين وعن مصانعهم التي تغش السوريين وتسرق تعبهم ولقمة أطفالهم؟، هل ندافع عن الغش الموجود في بعض الإنتاج الصيني لأننا نرغب بتقليد تجربتهم في هذا المجال ونرغب بأن نكون مثلهم؟.

هل علينا أن نعتقد كمجتمع بأن جمع المال هو الهدف الأسمى لنا، حتى لو سرقنا وغششنا وآذينا الفقراء والضعفاء فكما تعلمون لا تجرؤ الصين وهياكل صناعاتها وتجارتها، على غش أوروبا وألمانيا وأمريكا لكنها لا تمانع في نهش لحم الدول الفقيرة بلا أي رادع أخلاقي.

هل الغش محمود ومحترم إن كان يؤدي إلى الغنى؟، إن كان الجواب نعم: فلماذا إذاً نشتم تجارنا ومعظمنا مستعدٌ لأن يفعل مثلهم؟، هل حكم الراشي في ثقافتنا وفي أعرافنا وتقاليدنا هو غير حكم المرتشي؟، هل أحدهما قديس والآخر من أتباع ابليس؟، ما هو السبب الذي يدفع بعض السوريين إلى إدانة مواطنيهم بقسوة وتبرئة مواطني دولة أخرى، لماذا هذه المازوشية!، لماذا لا نقول أن تاجرنا وقع ضحية الاحتيال التجاري الصيني؟، أو على الأقل تم التغرير به وجرّه إلى عالم الجرائم التجارية، هل لهذا الأمر ذات الجذر الثقافي الذي ندين به الأنثى في علاقةٍ جسدية ثم نبرّئ الطرف الآخر لأنه فقط ليس أنثى!.

اقرأ أيضاً: اتحاد المدراء العالمي – أيهم محمود

لم يكن هدفي من منشور الصين الهجوم على منظومة سياسية انبرى البعض للدفاع عنها، في الواقع كان سؤالاً فخاً لرؤية أشياء لا علاقة لها بالسياسة والموقف السياسي من الصراعات التي تجري حالياً في العالم حولنا، سؤالٌ لا علاقة له بالشأن الصيني بل بثقافتنا السورية سواء ثقافة المقيمين في الداخل أو ثقافة المقيمين في أوروبا وأمريكا، من الذين لم يتعلموا من تجربتها في هذا المجال، هدفي الرئيسي من هذه المنشورات هو إيضاح تناقضات الثقافة السورية السائدة في مجتمعنا، وكيف أن معظم السوريين لم يتعلموا من دروس خراب بلادنا أو من دراسة الأسس التي أعادت بناء ألمانيا، بعد خرابها لتصبح قوةً اقتصادية وعلمية لها ثقلها الكبير في هذا العالم.

كان معظم السوريين في فترات سابقة يقولون في وصف الفاسد أنه شاطر!، وبما أننا مازلنا حتى الآن نمدح الشطارة الصينية فلن ننهض من خرابنا الاجتماعي، وإن نهضنا بمساعدةٍ ما لن يطول أمر وقوعنا مرةً أخرى.

دون تغيرات أخلاقية عميقة لن نصل إلى أي مكان سوى ما وصلنا إليه الآن، لا فرق بين الراشي والمرتشي والساعي بينهما بل من لديه المال هو الأسوأ بينهما، لأنه يستخدمه في إفساد مجتمعه بدل بنائه وتحصينه، هناك ضوابط أخلاقية تعودنا على النظر إليها كطبقة طلاءٍ خارجية براقة لا تؤثر في جوهرنا نستخدمها لتلميع حياتنا بدل أن تكون بوصلتنا وسر صلابة أعماقنا، التي نرتكز عليها لإعادة بناء بلادٍ تضررت بشدة من مفهوم الشطارةِ، التي لم تكن سوى غشاءٍ براق غلف كل عمليات الفساد والإفساد.

اقرأ أيضاً: هل يواجَه الغزو الأميركي بالانعزال الثقافي؟ – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى