نور نصرة بدأت مسيرتها بالشعر والترجمة وتحضّر لنشر روايتها الأولى
"البساطة والعفوية" كلمتان مفتاحيتان لترجمات "نور نصرة"، والحرب شكّلت هويتها الإنسانية
في أكثر اللحظات دمويّة ووسط ضبابيّة المشهد السياسي والأمني والمعيشي في سوريا. أجلت الكاتبة والمترجمة السورية “نور نصرة” مشروع السفر والاغتراب. لكنّ كارثة “السادس من شباط” دفعتها لحسم قراراها والانتقال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
سناك سوري- ميس الريم شحرور
بدأت حكاية الكاتبة والمترجمة السورية “نور طلال نصرة” المولودة عام 1987 مع الترجمة في السنة الرابعة من دراستها الجامعية. حيث ترجمت إحدى قصائد الشاعرة الأميركية “سيلفيا بلاث” ونشرتها على صفحتها الشخصية في “فيسبوك” لتبدأ فيما بعد بالنشر في عدد من المواقع الإلكترونية.
خلال السنوات الممتدة من ترجمتها الأولى عام 2011 إلى اليوم حقّقت “نور” إنجازات مهنية مهمّة. تتمثّل بترجمة كتب عديدة من الأدب العالمي إلى اللغة العربية. فيما أصدرت مجموعتين شعريتين هما “جدران عازلة للصوت” و “خريف يفتح فمه”.
في حوار مع سناك سوري طرحنا على “نور” مجموعة من التساؤلات..
كيف تعرّفين بنفسك، وأيّ الألقاب هو الأحبّ لقلبك “الشاعرة” ، “الكاتبة” أو “المترجمة”؟
الألقاب الثلاثة تعني لي الكثير وكلّ لقب من بينها أخذ جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً لأصل إليه. بدأت بالشعر ثمّ دخلت عالم الترجمة. والمجالان متلازمان مع ملكة الكتابة التي تشكّل حاجة ملحة للشاعر والمترجم. فبطبيعة الحال أنا الكاتبة الشاعرة والمترجمة.
كيف تأثرت لغتك الشعرية بقراءتك للنصوص الشعرية العالمية وترجمتك لها، وهل لا يزال هذا التأثير يلازمك حتى اللحظة؟!
في مرحلة مبكرة كنت مبهورة بعالم الترجمة الشعرية وكنت أعيش شعور المغامرة من خلال استكشافي للشعر الأميركي وتعرفي على أدب مختلف ومغاير للأدب العربي بأساليبه وتقنياته المختلفة. لكن فيما بعد وعند إدراكي لحقيقة أن كل نص يحتمل وجود ثغرات وليس كلّ شعر غربي صالح للترجمة، تبدلت اختياراتي للنصوص التي سأترجمها.
وهنا أودّ الإشارة إلى حقيقة قد تبخس جهد المترجم وهي “عند قراءتنا لشعر مترجم قد لا يلامس قلبنا أو ذائقتنا، لا يعني أن المترجم لم يبذل جهداً كافياً، إنما هناك نوع من الشعر لا يترجم وبعيد عن الذائقة العربية العامة”. وتنبهت فيما بعد إلى أن نمط الشعر الغربي لا يجب أن يتسلل إلى شعري الخاص.
عند قراءتنا لشعر مترجم قد لا يلامس قلبنا أو ذائقتنا، لا يعني أن المترجم لم يبذل جهداً كافياً، إنما هناك نوع من الشعر لا يترجم وبعيد عن الذائقة العربية العامة الشاعرة والمترجمة نور نصرة
مجموعتك الشعرية الأولى تحمل عنوان “جدران عازلة للصوت” ما الذي يعزل صوت الشاعر عن قلوب الناس؟
“التكلف” بالدرجة الأولى هو ما يقف حائلاً دون وصول الشعر والشاعر إلى قلوب الناس، وهذا يخضع لمعايير الابتعاد عن البساطة والمبالغة بالوصف والإفراط بالاستعارات، وأنا شخصيّاً أميل إلى البساطة وتحديداً مع قصيدة النثر باعتبارها لا تحتمل التعقيد والصعوبة بالكلمات والتوصيفات.
ما المعايير التي يجب أن تتوفر في كتاب ما لتقبلي بترجمته أو ترفضيه؟
المعايير تعتمد على حجم الكتاب والظرف الذي يرافق المترجم خلال عرض الكتاب عليه أكثر من الكتاب نفسه. وكلّ كتاب هو بمثابة فرصة لإضافته إلى الأرشيف المهني. ولكن أحاول الابتعاد عن الكتب التي تحتمل محاذير أو “تابوهات” معينة تتنافى مع الخطوط الحمراء لدور النشر. تفادياً للحذف أو الاختصار فيما بعد من قبل دور النشر نفسها. وهو ما لا أحبه، ولا أقبل به ككاتبة. لكنني لم أتعرض لحالة كهذه مسبقاً. وأسعى دائماً للنقاش مع دار النشر والحوار معها لمعرفة المحظورات لتجنبها.
كنتِ متمسّكة بالبقاء داخل البلاد حتى خلال السنوات الأكثر حلكة، ما الذي دفعك للرحيل؟
لم أستطع خلال أعوام الحرب أن أدير ظهري وأرحل تاركة ورائي أهلاً وأحبة، وبالرغم من أن العامين 2015 و 2016 شهدا موجة هجرة بأعداد كبيرة نحو أوروبا لم أفكر مجرد تفكير بالسفر وأهلي موجودون بظرف الحرب.
إلّا أنني مع تراجع وتيرة العنف في عام 2019 بدأت أفكر بذلك بشكل متواضع. فقد كنت أملك الأمل الكافي لتأجيل الشروع بتنفيذ مشروع الهجرة. وكنت دائماً متفائلة بأن القادم أفضل.
وبطبيعة الحال ألغت جائحة “كوفيد-12” الفكرة حينها. وحين فتحت دولة الإمارات العربية المتحدة المجال أمام السوريين المهتمين والذين يحققون شروط الفيزا الذهبية للإقامة داخل أراضيها. قدّمت وتمت الموافقة بشرط السفر خلال ستة أشهر من تاريخ التقديم لاستكمال الإجراءات. إبّان ذلك عاد الشعور القديم للتمسك بالبقاء ولم يكن القرار سهل الحسم قبل زلزال السادس من شباط والذي عجّل من اتخاذي لتلك الخطوة نتيجة الصدمة القاسية التي عشناها.
متى تقولين “لقد اكتفيت من الأحلام”؟
الآن بدأ الحلم وما كنت أعمل عليه هو تأسيس القاعدة للشروع بتحقيق الحلم “الترجمة والكتابة” على التوازي، صحيح أن لدي عدداً لا بأس به من الترجمات لكن ما أنتظره أبعد من العدد. الفكرة أنني مستمرة بالعمل على ترجمة تحقق لي هدفي وهدف أي مترجم ألا وهو “الوصول والمشاركة بمسابقات في الترجمة”. أما حاليّاً فأحضّر لنشر عملين جاهزين من تأليفي. “رواية” و “مجموعة قصصية” خلال عام من الآن.
عنونت إحدى مقالاتك بـ “الخيال هروب من ورطة الواقعية”، برأيك هل تحتاج الترجمة سعة الخيال ليستطيع المترجم أن يحجز لنفسه مكاناً مهماً بين المترجمين حول العالم؟
الترجمة لا تحتاج إلى سعة خيال بقدر ما تحتاج إلى دقة وأمانة للالتزام بأسلوب الكاتب. هذا على مستوى ترجمة الكتب وهو ما قد يغاير نوعاً ما ترجمة الشعر الذي يحتاج لبعض الخيال. ودائماً تكون الصعوبة خلال بداية ترجمة كتاب ما بالغة أمام المترجم الذي قد يشعر بأنه لم يلتقط أسلوب الكاتب بشكل صحيح. على الصعيد الشخصي عند إنهائي لترجمة كتاب ما أعود للصفحات الأولى لتعديلها وانتقاء المفردات الأنسب. وهي عملية واقعية أكثر من كونها جموح إلى الخيال.
هل أخرّت مسيرتك في عالم الترجمة مشروعك الشعري والروائي؟ وإلى متى؟
لا أجد أن الترجمة كانت بالغة التأثير على المضيّ قدماً في مشروع الرواية والشعر. بالرغم من أنها أخذت مساحة كبيرة وطاقة والتزام أكبر بهدف إنجاز الترجمة في وقتها دون تأخير. وهذا ربما أثّر على إعطاء الكتابة مساحتها اللازمة والكافية. وفي الأشهر السبعة الأخيرة أي من آخر كتاب ترجمته إلى اليوم أعدت تنشيط وضع الكتابة.
الترجمة لا تحتاج إلى سعة خيال بقدر ما تحتاج إلى دقة وأمانة للالتزام بأسلوب الكاتب الشاعرة والمترجمة نور نصرة
هل يمكن برأيك أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ المترجم الإنسان، وهل تخافين على المستقبل من سطوة الآلة؟
حاليّاً لا أعتقد أن التهديدات جدية بالقدر الذي يمكن أن يحل فيها الذكاء الاصطناعي كليّاً كبديل عن الإنسان في مجال الترجمة الأدبية. في البداية مثلاً لم تساورني المخاوف التي سيطرت على المترجمين الآخرين مع وجود البرامج التي تترجم 70 إلى 80 % من الكتب إلى شتى لغات العالم.
ودائماً ما أكرر أن “الجهد البشري أكثر دقة واحترافية” بمعنى أن جودة النص المترجم بأيادٍ بشرية أكب من تلك المترجمة باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي. هذا على المستوى العام. أما إذا أردنا الحديث عن الترجمة إلى اللغة العربية فأنا أتفق مع ما قدمه الزميل المترجم “أسامة ابراهيم” من دلائل وإحصائيات تثبت أن “70 % من التراجم باستخدام الذكاء الاصطناعي. لا تشمل ضمنها اللغة العربية لعدم وجود “داتا باللغة العربية” لدى تلك البرامج. لذلك “المترجمون العرب بخير حالياً”.
أنا متمسكة بالاعتماد الكلي على جهدي الذاتي ولا أفكر بالاعتماد على برامج ال AI، فأنا مثلي مثل باقي المترجمين نشعر بالغيرة من هذه البرامج، ولا نسعى لإفساح المجال أمام توسعها. أما في المستقبل قد يدفعني ضغط العمل للاستعانة لست متأكدة من أنني سأفعل.