مواجهة المجتمع… البيئة لا تفرض علي “لباسي” – ناجي سعيد
في أحد الأيام طلبت زوجتي من ابنتي أن تراعي البيئة المحيطة بطريقة لباسها، فهم لا يميزون بين طفلة أو راشدة
سناك سوري – ناجي سعيد
المُجاملة تقضي تدريجيًّا على “الأنا”، أو بشكل أدقّ كثرة المجاملات للآخرين ترسم هوية الفرد أو “أناه”. وقد تعلّمت درساً لن أنساه في تقدير الذات أو الأنا من ابنتي ذات الثماني سنوات.
كنت أعمل خارج لبنان في مجال التعليم، وأقضي عطلة الصيف بتقسيم وقت العطلة، أسبوع عند أهلي وآخر عند أهل زوجتي، فأنا لا أملك بيتاً خاصاً بي. وفي أحد الأيام طلبت زوجتي من ابنتي أن تراعي البيئة المحيطة بطريقة لباسها، فهم لا يميزون بين طفلة أو راشدة. تلبس في الصيف “شورتًا وكنزة بلا أكمام”، ورفضت ابنتي أن تنصاع لرغبات أمها -التي حرصت على مجاملة البيئة-على الرغم من أنها السبّاقة في كسر الروتين السائد، “فبنات أبو العبد (الله يرحمه) مش محجبييين” هكذا يقول الناس عنهم. وقد كان شفيعًا لهم الوالد المحترم ذو الأخلاق العالية، والذي لم يمنعه من ذلك أو يغيّر شخصيّته القويمة انتمائه للتيار السائد في المنطقة. وأقول تياراً سائداً لملاقاة هذا التيار التقاليدَ الإجتماعية، والتي يظنّ بعض الناس أن هذه التقاليد قد فرضها الدين.
اقرأ أيضاً الديمقراطية في العمل السياسي – ناجي سعيد
إن شخصية أي فتاة في هذه البيئة تخضع للتنميط من قبل الآخرين من حيث الشكل وتحديداً اللباس، فالفتاة هنا ترتدي حجاباً غالباً، وترتدي الملتزمة دينيًّا زيًّا آخر، هو عبارة عن عباءة تغطي أنحاء الجسم كافةً.
وما أودّ الحديث عنه أساساً، علاقة إثبات الأنا بالتقاليد السائدة. فلكي تكون/ي مواطن/ة فاعل/ة، يجب أن تتعمّق/ي بمعرفة جذور كلّ التقاليد، وما الذي فرضها كواجب، ولماذا؟ وهل يتعارض فرضها مع قيم إنسانية لتسعى إلى تحقيق الأنا بشكل إيجابي ومفيد للمجتمع. بمعنى آخر، هل يهتمّ كل من يتعامل مع الآخرين بمشاعرهم وحساسيتهم تجاه أمور عديدة؟ مع العلم أن الناس غير متخصّصين ببرامج بناء سلام ولا يعلمون شيئاً عن برنامج يتدرّب عليه المتخصّصون اسمه “حساسيّة النزاع، “conflict sensitivity ، والذي يفضي إلى أنّ من يريد التدخّل لحلّ أو تحويل نزاع، يجب أن يراعي تماماً أن تدخّله لحلّ النزاع لا يتسبّب في حدوث نزاع آخر والنظرية هي “لاتؤذِ، Do No Harm approach”. ومفادها أنّه لا يمكنك طرح حلول لمشكلة ما وهذه الحلول تُسبّب أذى أو ضرر لفئات أخرى.
وفي سياق هذا الحديث، هل يستطيع أي شخص أن يكون ويحقّق ذاته في مسيرة حياته، التي تتأرجح بين دفّتي “الفردي” والجماعي”؟ والتأرجح بين الدفتين المذكورتين، قد يُظهر سلوكًا من منطقة لتعزيز منطقة أخرى. أي أن سلوكًا مُكتسباً من الجماعة، ومُتوارثًا بطريقة ببغائيّة، قد يمارسه في حياته اليومية، كي تقبله الجماعة، ويلبّي حاجة فردية. أي أن يُجامل الفرد آخرين، على حساب قناعاته الشخصية، وذلك من أجل تحقيق ذاته.
نعم والحقيقة الصادمة هي أنّ الحاجة إلى تحقيق الذات أقوى من القناعة. وهل هذا يعني أن القناعة تأتي من خارج الإنسان؟ لا بالطبع، فقد يكون ذلك من باب عدم معرفة الإنسان بطريق تحقيق ذاته، وهل هذه الرحلة في اتّباع هذه الطريق تحتاج أدوات أخرى كالمُعتقدات والأفكار والقناعات؟ والعقدة في الموضوع، تكمن في السؤال: هل يجب عليّ أن أجامل، بمعنى أن لا أمارس قناعاتي كي أحقّق ذاتي؟.
وعودٌ على بدء، هل طلبي من ابنتي مجاملة الواقع والبيئة المحيطة، ينتقص من هدفيّة تحقيق ذاتي؟ ومراعاة البيئة بالإنتباه للّباس ليلائم الجوّ المحيط، يُعتبر قصورًا في مسار تحقيق الذات؟ قد تنقسم آراء الناس على قضية المجاملة، فموضوع المجاملة يدخل في دائرة طباع الشخصية الذي يختلف من شخصٍ إلى آخر. لكنّ الأهمّ من ذلك ولو أردت الإجابة على السؤال المطروح بدايةً، حول المجاملة وتحقيق الذات، لا بدّ من الإجابة عن السؤال حول أسباب فتح هذا النقاش، وأظن السبب الذي دفعني لفتح هذا الموضوع هو وعي معيّن وقد يكون نُضجاً إجتماعيًّا زائفاً يدفع المرء للمجاملة على حساب القناعات وذلك بهدف تحقيق الذات. فإذا إن السؤال المطروح مربوط بوعي السائل، ودرجة نضجه، المرتبطة بدرجة قدرته على التوفيق بين الاهتمام بالذات وبين التقدير والاحترام للجماعة. ويكمن الجزم وبوضوح تام نابع عن ملاحظة حياتية، بأنّ علاقة اطّرادية بين عمر الإنسان ووعيه بأهمية التعبير عن الذات وتحقيقها بلا أي تفكير بمجرّد محاولة مجاملة الآخرين.
وقد كان جواب ابنتي صارخًا بذلك عندما طلبت منها مجاملة البيئة المحيطة بلباس زيّ ملائم:
” شو هنّي أنا أو أنا أنا”..
اقرأ أيضاً جامعة “دمشق” تمنع النقاب وشركة “القاطرجي” ستنشئ مصفاتَي نفط جديدتين.. أبرز أحداث اليوم