من المعارض إلى الانتخابات .. المسؤولون يبحثون عن أدلة التعافي في سوريا
لقاء الفلاحين بقيادي بعثي دليل على التعافي .. وهجرة الشباب دليل أكبر
تكاد تصريحات المسؤولين السوريين تجمع على أن كل حدث في البلاد دليل على التعافي دون تحديد معيار واضح لاعتبار لقاء شخصين مثلاً مقياساً يدلّ على تعافي البلاد وعودة الاستقرار إليها.
سناك سوري _ هادي مياسة
الأمر يشبه أن يقوم طالب بالإجابة على سؤال لا يعرف إجابته فيقسم مثلاً التعداد الواحد إلى اثنين وثلاثة ليقنع نفسه أنه وضع الإجابة كاملة.
الأمثلة كثيرة هنا من التصريحات الرسمية ومنها حديث وزير الإعلام السابق “رامز ترجمان” عام 2017 خلال معرض “دمشق” الدولي حين قال أنّ الإقبال الكبير على المعرض أكبر دليل على التعافي الذي تشهده “سوريا”.
وفي الدورة التالية للمعرض عام 2018 صرح خلفه “عماد سارة” لوكالة سبوتنيك أنّ معرض دمشق الدولي ما هو إلا مؤشر على تعافي سوريا بعد 7 سنوات من الحرب التي مورست ضدها بفعل الإرهاب على حد تعبيره.
وتطور الأمر أكثر في المؤتمر الانتخابي لنقابة المهندسين عام 2019 حين قال “هلال الهلال” الأمين العام المساعد السابق لحزب البعث حينها أن «هذه الانتخابات التي تخوضها المنظمات الشعبية والنقابات المهنية بالتوازي مع الانتخابات الحزبية وقبلها انتخابات الإدارة المحلية هي دليل على تعافي الوطن والديمقراطية الموجودة في سوريا».
وفي عام 2020 كتب رئيس الاتحاد العام للفلاحين “أحمد صالح ابراهيم” مقالاً على صفحة الاتحاد. بعنوان “الانتخابات التشريعية دليل على استقرار وتعافي سوريا”. بينما تكررت الفكرة ذاتها في تصريح لأمين فرع حزب البعث في الحسكة “تركي حسن” حول الانتخابات التشريعية 2024 التي جرت قبل أيام.
كما أن محافظ حماة “معن صبحي عبود” أكد ذلك خلال إدلائه بصوته في الانتخابات الأخيرة.وقال للوطن أون لاين: «الانتخابات رسالة للداخل والخارج مفادها أن سورية تعافت من الإرهاب».
من المعارض إلى الانتخابات لم يتوقف بحث المسؤولين عن أدلة التعافي في البلاد بل امتد إلى اعتبار رئيس حكومة تصريف الأعمال “حسين عرنوس” قبل شهرين. أن وضع محطة تحويل “يلدا” في الخدمة دليل على تعافي “سوريا”. دون أن يحدد أحد معياره في قياس التعافي.
لن يتوقف الأمر عند محطة تحويل بل سيمتد إلى اعتبار عضو القيادة المركزية لحزب “البعث” “فاضل النجار” أن اجتماعه بفلاحي “الرقة” ووجود حشدهم الجماهيري دليل على تعافي “سوريا” من أزمتها على حد قوله.
كيف يمكن قياس تعافي سوريا؟
فعلى مستوى تعافي الحياة السياسية فإن المقياس الحقيقي لا يكمن بإقامة الانتخابات بل بمفرزاتها. وعلى المستوى الاقتصادي فالمقياس يحدَّد بالمستوى المعيشي وليس بإقامة المعارض. وبالنسبة للخدمات، فتوفر الخدمات بشكل يرفع من جودة الحياة يعدّ المقياس الرئيسي الذي يشعر به المواطن ولا يحتاج لأن يدلّه أحد عليه.
أما محاولة البحث عن مقياس يشمل كل الجوانب فستدّل على البحث عن أوضاع الشباب في البلاد كالتعليم والعمل والانخراط بالشأن العام والمشاركة في الحياة السياسية. إلا أن نتائج هذا البحث لن تكون دقيقة لغياب البيانات الواضحة والأرقام عن واقع الفئة الشابة مثل عدد المهاجرين وعدد العاطلين عن العمل وعدد الخارجين عن دائرة التعليم وغيرها. حتى أن المركز الوطني للإحصاء وباعتراف مديره أعلن أن هناك خلل في أرقامه الرسمية.
في المقابل فإن قراءة وضع الشباب سيحتاج إلى الاعتماد على المؤشرات بغياب الأرقام. ومنها حديث جريدة “البعث” الرسمية عن التخوّف من تحوّل “سوريا” إلى دولة عجوز على وقع هجرة الشباب والكفاءات وحمّلت مسؤولية ذلك إلى التعاطي الحكومي مع الشباب والخريجين الجدد.
وفي ظل استمرار هذه الهجرة للفئة الشابة التي يعوّل عليها في مرحلة إعادة الإعمار والنهوض. فإن ذلك يدلّ على أن البلاد لم تصل إلى مرحلة التعافي التي لا تنزاح عن تصريحات المسؤولين فالتعافي الحقيقي يبدأ من ملف الشباب وتحسين أوضاعهم وكسب ثقتهم للعودة والبقاء في بلدهم.
وعلى مبدأ “كاد المريب أن يقول خذوني” فإن كثرة التصريحات الرسمية عن أدلة التعافي. تكاد تتحول إلى دليل إضافي على غياب هذا التعافي الذي يأمل الجميع الوصول إليه. وربما يؤدي التقليل من هذه التصريحات إلى الوصول لتعافٍ حقيقي يلمسه المواطن ويعيشه في يومياته دون أن يخبره المسؤولون عن أدلته.