منصب المحافظ محرَّمٌ على المرأة السورية .. لا ثقة بقيادة النساء
القانون لا يمنع وصولها ولكن .. واختيار المحافظ بالتعيين يصعّب مهمة النساء
لم يعرف التاريخ السوري المعاصر وصول امرأة إلى منصب “المحافظ” لتكون قائدة لمحافظة كاملة على الرغم من عدم وجود مانع دستوري أو قانوني لذلك لكن المنصب بقي حكراً على الرجال.
سناك سوري _ هبة الكل
وعلى الرغم من أن المرأة السورية وصلت إلى مناصب قيادية عليا متنوعة كالبرلمانيات والقضاة والوزيرات. إلا أن منصب “المحافظ” بقي محرّماً عليها. وأبرز إنجاز نسائي على مستوى المجالس المحلية كان وصول “علياء محمود” عام 2018في “طرطوس” لتكون أول رئيسة مجلس محافظة.
ضعف تمثيل النساء
يقول الناشط “عبد الله جدعان” إن الوضع التمثيلي للنساء على مختلف مستويات السلطة يعاني من ضعف. بما في ذلك منصب المحافظ لأن تسمية الأشخاص له يخضع للكثير من الاعتبارات التي غالباً ما تصب لصالح الذكور.
ومشاركة المرأة في الشأن العام السياسي ليست مسألة تحقيق مساواة بين الجنسين وحسب. وإنما تشاركية اجتماعية وديموغرافية واقعية على أن البعض الجندري يعبر عن كلّه حيث تشكل النساء ما يقارب نصف عدد السوريين.
وبالرغم من أن الدستور كفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات إلا أنه لم يوفر الأطر القانونية الكفيلة لتمثيل النساء السوريات في مراكز صنع القرار. حتى قانون الإدارة المحلية في مادته الـ 10، ذكر ممثلي المجالس المحلية عن فئات الفلاحين والعمال والحرفيين، والطلبة..إلخ وحصر تحديدها باللائحة التنفيذية فقط. دون وجود كوتا للنساء فيه على غرار كوتا الفلاحين والعمال.
«توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع» المادة 23 من دستور سوريا
لغة قانونية ذكورية وغياب الدعم عن تمثيل النساء
تقول الناشطة المدنية ومديرة مؤسسة “موج” التنموية “أميرة مالك” إنه لا يوجد موانع قانونية تحول دون وصول المرأة لمنصب المحافظ. وتضيف لكنها تفتقد للدعم وتحتاج النساء والشباب للتمييز الإيجابي كي يصلوا إلى المناصب التي لا يستطعيون الوصول إليها حالياً.
وترى أن أفضل طريقة للتمييز هي البدء بتخصيص مقاعد لهن “كوتا” في مجالس الإدارة المحلية. وصولاً إلى رؤساء المجالس وبالتالي إلى منصب المحافظ.
يحمل الخطاب العام لقانون الإدارة المحلية في طياته لغة ذكورية لا تلحظ النساء عبر استخدام مفردات مثل “رئيس المجلس، نائب رئيس المجلس، المحافظ، العضو … إلخ”. تقول “مالك” إن «لغة القانون لها دور إيحائي كبير في المجتمع. فهم لا يكتبون محافظة، وإنما يرأسها محافظ فقط، الكثير من الإيحاءات التي تحصر المنصب بالذكورة مما يشكل انطباعاً وعرفاً مجتمعياً أن المرأة عاجزة عن تمثيل هذا المنصب».
ويؤيد “جدعان” : «في الحالة السوريّة يجب أن تكون القوانين ولا سيما تلك المرتبطة منها بتسمية أو انتخاب أعضاء السلطات الثلاث تذكر صراحة عدداً أو نسبة تمثيلية ثابتة أو حداً أدنى إلزامياً لحضور العنصر النسائي».
دعم المجتمع لتمثيل النساء في منصب المحافط
يوجد في سوريا حالياً 14 محافظة يرأسها 14 ذكراً وتغيب عنهم النساء. والمحافظ في سوريا يحصل على منصبه عن طريق التعيين وليس الانتخاب.
وخلال عقود طويلة مضت تم تكريس الذكورية في منصب المحافظ الذي تحول إلى صورة نمطية مجتمعية “محافظ يعني ذكر”. وفي حال تحولت البلاد في أي لحظة لاختيار المحافظين عن طريق الانتخاب فإن هذه الصورة النمطية ستعرقل أيضاً وصول النساء للمنصب.
ومن هنا تأتي أهمية التمييز الإيجابي للنساء بالوقت الحالي والمباشر وكسر احتكار منصب المحافظ على الذكور لتغيير الصورة النمطية السائدة.
يقول “الجدعان” في ظل غياب الانتخابات عن منصب المحافظ فإن تسمية امرأة ستكون خاضعة للاعتبارات الحزبية بالكامل لا سيما لدى حزب البعث باعتباره الحزب الحاكم.
ويشير إلى أن النساء يواجهن مشكلات مجتمعية حتى في الوصول إلى مقاعد مجالس الإدارة المحلية. ويضرب مثلاً انخفاض أعداد المرشحات فيها داعياً إلى دعم النساء إعلامياً وتوظيف برامج المناصرة لدعم تمكين النساء سياسياً.. ومطالباً الأحزاب بالتوقف عن الإشراك الشكلي والتجميلي للنساء في الاستحقاقات.
“مالك” وهي نائب رئيس بلدية سابقاً تؤكد أن تجربتها في انتخابات الإدارة المحلية ورغم نجاحها في الوصول لمنصب نائب رئيس البلدية. إلا أنها كانت سلبية في بعض الأحيان لناحية تعامل المجتمع مع المرأة بطريقة السلطة الأبوية. لكنها تدعو لمواصلة المحاولة حتى يعتاد المجتمع على حضور النساء في الشأن العام وجدارتهن في نيل القبول المجتمعي.
لا يقتصر التغييب عند حدود العنصر النسائي بل يشمل كذلك الغياب التام للعنصر الشبابي إذ تتراوح أعمار المحافظين بين الخمسينات والستينات من عمر معظمهم. ويغيب حضور الشباب دون سن الـ 30 وحتى دون الـ 40 عاماً.
في نهاية المطاف. فإن غياب النساء عن منصب المحافظ يعد جزءاً من تهميش المرأة وتغييبها عن العمل السياسي الحقيقي. والتعبير عن غياب الثقة بقدراتها في المواقع القيادية واعتبار وجودها في منصب متقدّم فضلاً من الرجل عليها وليس استحقاقاً منها لما وصلت إليه. الأمر الذي يسهم في مواصلة غياب التمثيل النسائي عموماً ويحتاج إلى خوض معركة المناصرة لتحقيق عدالة التمثيل واستعادة مكانة المرأة السورية كما يليق بها.