ممكنات مغيبة.. “مازن بلال”
صراع المفاهيم… الإسلام هو الحل.. العلمانية هي الحل
سناك سوري-مازن بلال
تتشكل العلاقات داخل المجتمع السوري على إيقاع مضطرب، فالمسائل التي يتم طرحها يوميا غالبا ما تكون مجرد وهم، أو وسيلة للتعبير عن هموم متناقضة تفشل النخب في خلق سياق لها، وعندما تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي موجة محمومة حول العلمانية، أو تظهر محاضرات متفرقة في المراكز الثقافية حول هذا الموضوع؛ فإن مؤشرات مثل هذه الظاهرة لا يمكن أن تحملنا إلى عمق أزمات المجتمع.
المسألة ليست العلمانية بذاتها فهي مثال فقط من مساحة ما يجري، ولكنها نموذج لسجالات داخل دائرة واحدة، وهي كموضوع ضروري وهام ولكنه بعيد نوعا ما عن إيقاع الحياة الخانقة التي يعيشها السوريون إجمالا، ففي زمن الندوات والحوارات هناك علاقات تتهشم ليس بسبب رفض العلمانية بل لأن سلسلة الانتاج تتهشم، ويتم معها شكل من ملئ الفراغ الاجتماعي بعلاقات إنتاج وروابط اجتماعية ربما توصلنا إلى نقاط توتر جديدة.
يقدم نموذج العلمانية في أحد أشكاله نوعا من العلاقات الافتراضية بين الأطراف، وفي كثير من الأحيان يتم استبدال شعار “الإسلام هو الحل” بـ”العلمانية هي الحل”، بينما يتم ترحيل كل التعقيدات الاجتماعية نحو زمن مجهول بانتظار حسم السؤال حول العلمانية أو التراث وهي أسئلة ظهرت منذ بداية القرن الماضي.
حتى نفتح مساحة خارج دوامة “أسئلة الوهم” التي يتم طرحها بعد ثماني سنوات على الأزمة السورية؛ يمكننا طرح سؤال جديد: هل أزمة مجتمعنا هي أزمة مفاهيم؟.
نظريا فإن المفاهيم أساسية لبناء أي عمل، ولإنشاء منظومة تنمية شاملة في سورية، ولكن المشكلة أن المفاهيم نفسها تشكيل حيوي لأنها ابتداع بشري يملك حيوية التعامل مع القيم والمبادئ بشكل متبدل، فلا العلمانية ولا التنمية ولا حتى أي مفاهيم دينية يمكن الرهان عليها بشكل مستقل، فما نعانيه يحمل أشكالاً من التعقيد لا يمكن معها خلق خيارات مسبقة، وفي نفس الوقت يحتاج لإنتاج معرفة مختلفة تماما في آلياتها عما نشاهده اليوم.
الممكنات التي نملكها للتعامل مع هذا التعقيد هي “تراكم الخلاف”، فنحن نعرف تماما عبر خلافاتنا الممتدة كل القضايا غير المنتجة ونستطيع العمل خارج “منظومة الخلاف القائمة حاليا”، فمنذ بداية القرن الماضي وحتى الآن راكمت تجاربنا “خلافات” وفي نفس الوقت طورت قدرات على بناء التوازن، وربما يكون التوازن التراكم الوحيد المنتج ضمن مجتمعات متجذرة تاريخيا، فصراع المفاهيم وإن بدا ضروريا لكنه يحتاج في النهاية إلى توازن على مستوى العلاقات الاجتماعية، وهذا الأمر سيكون أولى مهام التنمية في محاولات الخروج من الأزمة، فالتنمية ليست الحل بل إحدى الممكنات للاستفادة من المعرفة بشأن “التوازن الاجتماعي”.
اقرأ أيضاً: التنمية.. إشكالية تراكم – مازن بلال