كان ابن أبو عبدو وأترابه في قرية أم المقتضيات يشكون دائماً من سوء حال الحديقة العامة التي أنشأنها والد “أبو عبدو” في القرية يوم كان رئيس بلدية. يومها كان ضمن المخطط التنظيمي حديقة في كل قرية. ولكن استعجل الرجل ببناء هذه لمقتضيات المصلحة العامة وفق مابرر في الكتاب الذي رفعه لمجلس المدينة عن سبب إنشائه الحديقة.
سناك سوري – عهد مراد
أما الآن وقد طال الزمان على تشييد الحديقة فقد بدأ الأبناء يشكون من سوءها وصار ابن أبو عبدو يشكو لأبيه ليلاً ونهاراً…
أبو عبدو وهو ابن ابيه يعرف من أين تؤكل مقتضيات المصلحة العامة. فقال لابنه : (ليش ما بتتعرفوا ع ابن رئيس البلدية وبتعزموه لعندكم؟؟؟)
ابن أبو عبدو وافق على الفكرة التي(خرطت مشطه) وجمع أولاد الحارة. وشكلوا حلقة حب حول ابن رئيس البلدية. كما راحو يدللوه ويغنجوه وكل يوم يدعونه إلى منزل. ويطعمونه الأطايب (عملولو عرس وطني). وكلما مر إلى الدكان زبون وسأل أبو عبدو : (يا بوعبدو ليش قايمة قيامة هالولاد مع ابن رئيس البلدية. كل يوم وهني عاملينلو حفلة )
يضحك أبو عبدو ويقول : مقتضيات مصلحة عامة خيي.
بدأت تتطور علاقة ابن رئيس البلدية بأبناء القرية وصار يحبهم ويشتاق لقريتهم. تدخل عندها أبو عبدو وراح لعند (دلوع بيو ) وقال له: عمو قلو لابوك انو نحنا حابين نعزمو لعنا …
اقرأ أيضاً: الحكومة تستعرض انجازاتها أمام مجلس الشعب… والصباغ: نتعاون لمصلحة المواطن
الولد الذي أحب الأولاد وافق فوراً ودعا أبيه. والأب المشغول بمقتضيات المصلحة العامة رفض الدعوة لانشغاله. ولكن دعا أبو عبدو ابن أبو أبو عبدو لزيارته. وراح الأخير للزيارة متودداً مادحاً مزايا رئيس البلدية المقبل الطفل الذكي الذي أدهش كل أولاد الحارة بذكائه (أولاد الحارة الذين يقولون إنه أغبى وأدلع ولد عرفوه ) وأصر إصراراً كبيراً على أن يزور رئيس البلدية القرية. وافق المسؤول على الزيارة وهو الذي لم يرفضها مسبقاً إلا لأنه أحب أن تأتي مباشرة وليس عن طريق ابنه..
زار المسؤول القرية وأخذه أبو عبدو ليزور الحديقة وقال وقد جمع حوله ابن الرئيس وأولاد القرية: (هي الحديقة حلوة كثير بس بدها شوية ترميم هالولاد بدهم يلعبوا ..)
رد الولد (ابن رئيس البلدية) : اي بابا…اي…
تستطيعون أن تتخيلوا ما حصل. ترممت الحديقة وفرح الأولاد وكان سبب الترميم (مقتضيات المصلحة العامة) واحتفل أهل القرية وغنوا (ياهويدالك ياهويدا لي…). كما حمدوا الرب على نعمة المصلحة العامة. المصلحة العامة التي تجلت بزاوية رؤية ابن الرئيس لواقع الحديقة. لكن هذه المصلحة العامة التي صارت تضيق جداً لتصبح خاصة ثم شخصية وتبنى على أساسها أبراج ويُدمر مستقبل. كما ولازالت عكازة الفساد في القضاء على القانون وفي جعل أمزجتهم وأفكارهم وأحلام أولادهم مصلحة عامة..
(ملاحظة: تعرف المصلحة العامة في قاموس “النطوطة” على القانون . بأنها مصلحة ذوي الشأن وأصحاب القرار في تنفيذ المصلحة ….)