مفهوم الحرية – ناجي سعيد
انطلاقا من مفهوم الحرية لا يحق لأحد نشر الغسيل على الشرفة!
سناك سوري-ناجي سعيد
اعتاد جميع الأطبّاء/الطبيبات أن يصفعوا المولود/ة على مؤخّرته/ها، فور إخراجه/ها من رحم والدته/ا. ونحن نعتبر أن هذا طبيعي. والأصحّ، بأن هذه الحركة لا دخل لها بالمنحى الطبّي. بلّ هي عادة ابتكرها الجسم الطبّي (على ما أظنّ) ليطمئنّ أهل المولود/ة، على صحّة وسلامة مولودهم/تهم.
فالطريقة الوحيدة غير الطبيّة، ولكنّها لإرضاء المجتمع، وملموسة جدًّا هي “صرخة الحياة”، كما أسموها لاحقًا، لتأخذ شرعية مجتمعيّة. فعامّة الناس لن تقتنع بالأدوات الطبيّة للتأكّد من تنفّس الطفل/ة وخفقان قلبه/ها، وما إلى ذلك. إطلاق الصرخة من عند الطفل/ة، هي الشهادة المُعتمدة عند عموم الناس، وقد يطمئنّ الطبيب/ة لهذه الصرخة، برغم تأكّده من صحّة وسلامة المولود/ة، لأنّ الصرخة هي المؤشرّ الوحيد على صحّة المسار العلمي، بعيدًا عن المعتقدات والتخاريف. وثمن منحى آخر.
فالصرخة التي تُطمئِن قلوب الناس على أن مولودهم/تهم بخير، ليست مؤشّرًا سليمًا على امتلاك الحريّة من قِبَل طفلهم/تهم (لحظة الولادة) وإنسانهم الناضج لاحقًا. لستُ مُخطئًا في أنّ الحرية هي مفهوم يُولد مع الإنسان، فقد قالها الفاروق عمر بن الخطّاب لعمرو بن العاص: ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارًا”. وباعتبار الحريّة مفهوم فطري طبيعي يُولد مع الإنسان، فقد تداولته الناس في أكثر من مجال، وقد اختلف تفسير هذا المفهوم، بين الفلاسفة، فلِكلٍّ مذهب يرى من خلاله الصواب والخطأ. عدا عن رجال الدين والسياسة و و و، فقلّما نجد موضوعيّة في طرحٍ يتناول مفهوم الحريّة.
نعم، جسد الحريّة “لبّيس”، فكل شخص مُتمكّن في مجال محدّد لدرجة الاحتراف، نراه يفصح عن تعريف الحريّة من منظاره التقني دون الرجوع إلى بحث “مفاهيمي” يؤكّد صحّة ما يقول. وأذكر هنا بيت شعرٍ من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي: ” وللحريّة الحمراء بابٌ بكلّ يدٍ مضرّجةٍ يُدقّ”. وسؤالي البديهي أو ما قبل البديهي: من حدّد لون الحريّة بالأحمر؟ وهل هذا يفترض وجود ألوان أخرى للحريّة؟.
اقرأ أيضاً: سلاح اللاعنف – ناجي سعيد
ليس هذا هراء. فالألوان تعكس فكر وأيديولوجيا القائل. فهل تبنّي الشاعر شوقي للّون الأحمر نابع من تجربة ظلم عاشها، وقام بتجريب ألوان أخرى، ولعدم نفعيتهم ذهب لاختيار الأحمر واستفاد. لا أنفي الحصول على الحريّة من خلال “الأحمر”، لكنّها مؤقّتة. فقد يأتي معارضون لهذا اللون من الحرية، ويفرضون على الناس لونًا آخر من الحرية، قد تختلف درجة حدّته، لكنّه يبقى أحمرًا على حساب حياة الأبرياء.
ومن الطبيعي أيضًا، ومن منظار آخر تربوي، نجد خلافًا بين الأهل وابنائهم المراهقين، ينتهي غالبًا، بخروج المراهق من المنزل مع صراخه جُملة: أنا حرّ! ولو قال الجملة نفسها في المدرسة، لكان الردّ الفوري والانفعالي من المُدرّس/ة: “أنت حرّ ببيتك مش هون”! وهذه الاختلاف بين البيت والمدرسة، لا يفرض قيودًا على مفهوم الحريّة، بل هي ضوابط على كيفية التعاطي مع مفهوم الحريّة. فلكلّ دولة نظام ودستور يكفلان حريّة الفرد المضمونة داخل الحرية العامة. والحدّ الفاصل بين الحريّة الشخصيّة والحريّة كمفهوم عام، يرسمه فهم الناس ووعيهم للتفريق بين “العام” و”الخاص”.
ببساطة صوت الموسيقى مساحتك الخاصّة، ولكن لو ارتفع وأزعج الجيران، لانتقل من حيّزك الخاص إلى الحيّز العام. وهناك العديد من الأمثلة التي لا تخطر على بال أحد توضح الفارق بين العام والخاص. ومفهوم الحريّة هو الجدار الفاصل بينهما، لو أٌزيل هذا الجدار لعمّت الفوضى في المجتمعات. وهنا يمكنني أن أُلفت نظر القارئ، إلى أن شرفة منزلك تدخُل النطاق العام، فلا يحقّ لك نشر “الغسيل” فتُسيء بصريًّا للمساحة العامة.
كما أنّ اختيار لون “البويا” للجدار والباب والشباك غير مُمكن دون سؤال مديرية أو وزارة خاصّة بالتخطيط العمراني. في الدول الأوروبّية يوجد اهتمام بالتخطيط العمراني، ولا يوجد حجر بغير مكانه ولا يشمله التخطيط. فهل نحن نُربّي أولادنا على مهارة التخطيط لحياتهم؟ هذه المهارة هي المفتاح لحريّة التفكير، وضوابط هذه الحريّة مكتوبة ومكفولة ضمن شرعة حقوق الإنسان. وأختم بمقولة غاندي الأشهر: “تنتهي حريّتي عندما تبدأ حقوق الآخرين”.
اقرأ أيضا: عنف الضرورة – ناجي سعيد