مشروع الكهرباء الإماراتي بريف دمشق ينتهي قبل أن يبدأ .. لماذا فشل؟
الباحث محمد صالح الفتيح لـ سناك سوري : المشروع غير مجدٍ مالياً.. فهل راهنت الوزارة على تحوّل القرض إلى منحة إماراتية؟
مضى أكثر من عامين على توقيع وزارة الكهرباء السورية اتفاقاً مع مجموعة شركات إماراتية لإنشاء محطة كهروضوئية بريف “دمشق” رغم أن مدة التنفيذ عامان كما نصّ الاتفاق.
سناك سوري _ محمد العمر
وفي 11 تشرين الثاني 2021. أعلنت وزارة الكهرباء عن اتفاقها مع الشركات الإماراتية لإنشاء المحطة في منطقة “وديان الربيع” بالقرب من محطة “توليد تشرين” بريف “دمشق” باستطاعة 300 ميغا واط. على أساس المفتاح باليد مع تأمين التمويل اللازم للمشروع بنسبة 100 بالمئة عن طريق تسهيلات دفع أقساط ربع سنوية لمدة عشر سنوات يتم دفعها بعد وضع كل قسم من أقسام المشروع في الخدمة بمدة تنفيذ سنتين.
لماذا فشل تنفيذ المحطة الكهروضوئية الإماراتية؟
قال الباحث الاقتصادي والسياسي “محمد صالح الفتيح” أنه لم يصدر إعلان رسمي من الجانبين حول سبب عدم تنفيذ المشروع. مشيراً إلى أن المعلومة المتوفرة جاءت على شكل تسريب من وزارة الكهرباء لوسيلة إعلام محلية. في إشارة منه إلى أنباء عن سحب المشروع من الشركات الإماراتية. الأمر الذي لم تؤكده الوزارة السورية ولم تنفِه.
وأضاف “الفتيح” في حديثه لـ سناك سوري أن أي مشروع للبنى التحتية ينفذ بالاقتراض. كما هو حال مشروع المحطة. يجب أن يكون مجدياً مالياً لكي يكون سداد القرض ممكناً. أو أن يكون هناك تغطية سياسية من نوع ما للعجز المالي.
وأوضح أن أي مشروع جديد يجب أن يحقق عائداً مالياً يسمح بتسديد تكلفة إنشاء المشروع. ويسمح بصيانته خلال فترة خدمته. مبيناً أن التقرير الدولي الأخير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “IRENA” قدّر أن تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تتراوح حول العالم بين 3 و12 سنت أميركي. وتبلغ بالمتوسط 5 سنت أميركي للكيلوواط الساعي الواحد.
في وقتٍ تنخفض فيه التكلفة كلما ازدادت المكونات المحلية لإنشاء المحطة. من مكونات مادية وتكاليف مالية وعناصر البناء والتشغيل وكلما انخفضت هذه المكونات ارتفعت التكلفة وفقاً لـ “الفتيح”. الذي قال أن المحطة كانت ستبنى بمكونات مستوردة ومن قبل شركة أجنبية. وبقرض يسدد على مدى عشر سنوات بينما لم يعلن عن الفائدة السنوية للقرض ولا قيمة القرض نفسه.
فواتير مليونية خارج قدرة السوريين
ما نعلمه بحسب الباحث السوري. أن المحطة باستطاعة 300 ميغاواط. في حين أن تكلفة بناء الميغاواط الواحد للمحطات الكهروضوئية تتراوح بين 900 ألف و1.1 مليون دولار أميركي بمتوسط 1 مليون دولار. وبالتالي فمن المنطقي أن تكون تكلفة هذه المحطة حوالي 300 مليون دولار. لافتاً إلى أن المصرف المركزي الإماراتي حدد سعر الفائدة بـ5.4% في أواخر 2023. علماً أن هذا الرقم هو حد أدنى تضيف له المصارف الخاصة والشركات فوائد إضافية عند منحها للقروض.
وبافتراض أن الفائدة السنوية ستكون 5% فقط على مبلغ 300 مليون دولار يسدد على 10 سنوات. فستكون الدفعة السنوية الواحدة حوالي 44 مليون دولار أميركي. وهو المبلغ الذي يجب أن يكون على شكل ربح صافٍ تستعيده وزارة الكهرباء السورية من الكهرباء المنتجة من المحطة والتي بيعها للمستهلك السوري بحسب “الفتيح”.
في السياق ذاته. فإن هناك حسابات طويلة يمكن القيام بها. تشمل بحسب “الفتيح” كفاءة إنتاج المحطة وعدد ساعات السطوع الشمسي على امتداد العام لتقديم كمية الإنتاج الكهربائي من المحطة. ولكن حتى بافتراض كفاءة عالية واستثنائية للمحطة عند 80%. فيجب أن تحقق الوزارة 8 سنت أميركي ربحاً صافياً من كل كيلوواط ساعي تبيعه للمستهلك. بعد استثناء الفاقد الكهربائي وأجور العمال وصيانة شبكة النقل وغيره. وحتى مع استثناء هذه التكاليف – وهو أمر مستحيل – فإن سعر الكيلو واط الساعي يجب أن يكون 8 سنت أمريكي. “تعادل 1056 ليرة بحسب سعر الصرف الرسمي لدى المصرف المركزي”.
ويشرح “الفتيح” أن الأرقام تظهر أنه لا يمكن لأحد في سوريا تسديد فواتير بهذه القيمة. إذ إن أدنى شريحة والبالغة 1500 كيلو واط ستصبح قيمتها 1.548 مليون ليرة. ما يعني أن المشروع غير مجدٍ مالياً.
وتساءل الباحث عمّا إذا كانت وزارة الكهرباء السورية غير مدركة أنها لن تستطيع سداد تكلفة المشروع. وكانت تراهن على تحوله لمنحة إماراتية؟ وهل التطورات في السنوات الأخيرة في المنطقة توحي بوجود منح غير سياسية.
العقوبات الأمريكية لم تكن مفاجئة
بعيداً عن الجانب المالي وبالنظر إلى ناحية أخرى للملف فقد لفت “الفتيح” إلى أن العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة في “سوريا”. سبقت توقيع اتفاق إنشاء المحطة بنحو عامين. ما يعني أن وجودها وتأثيرها لم يكن بالمفاجئ. لا سيما وأن الأمر يرتبط بشركة إماراتية كبيرة وبمشروع كبير.
الطاقة المتجددة.. اهتمام بلا جدوى
على الرغم من تزايد الاهتمام الحكومي خلال السنوات الماضية بمشاريع الطاقة المتجددة. والتشجيع على الاستثمار فيها. والإعلان عن اتفاقات لإنشاء محطات توليد كهروضوئية سواء مع شركات محلية أو أجنبية. إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل واضح وملموس على واقع الكهرباء المتردي في عموم البلاد.