الرئيسيةيوميات مواطن

مدينة البندقية الإيطالية في دمشق.. هل ستخوض التجربة؟

تحذير: القارئ العزيز لاتقرأ المقال إذا أنت مرهف الإحساس.. الحكاية أبداً مش دايت

سناك سوري – دارين يوسف

في أحد صباحات شهر آب الصيفي الحار، لكن بنسمات لطيفة تحمل شيئاً من ليونة الخريف المنتظر مع حلول شهر أيلول، استيقظت على مهل قهوة، وخبز محمص، وياسمين، خليط من الروائح التي تنعش يومك، وذاكرتك.

مروحة سقف تدور وتدور .. أدير المذياع، نشرة أخبار صباحية، المذيع: «من دمشق هنا القدس».. يسترسل المذيع بأخباره القصيرة “شتات الفلسطينيين” في “سوريا”، والعالم عرفوا أخيراً أن طريق حجهم الوحيد هو الطريق إلى بلدهم “فلسطين” .. نعم عادوا جميعاً مع خروج آخر مستعمر صهيوني!.. مباحثات الوحدة العربية تسير بسرعة لم يعهدها العرب على مر العصور.. باتت الدول العربية تتحد تدريجياً.. لا “سايكس بيكو” ولا “وعد بلفور” .

اقرأ أيضاً: بين الياسمين والتَعرُق.. توليفة روائح الصيف معاناة كل عام

أغادر منزلي على عجل .. المنزل الذي وهبَ مثله لكل مواطن سوري منحة من الحكومة، نعم لامنازل أجرة، ولا مشردين يفترشون الحدائق، و الأرصفة.. أسير في طرقات “دمشق” أصل إلى “نهر بردى” وسط العاصمة المقابل من جسر وفندق “فيكتوريا” .. أو الملكة البريطانية “فيكتوريا” التي كانت ستشرفنا بزيارة إلى البلاد عام 1897 وبني الفندق، وسمي باسمها تكريما لها ولزيارتها التي لم تكتمل، ولم تزُر بلاد الياسمين.

أعجّل الخطوات لألحق بالجندول (المركب) الذي سيُقلني عبر النهر إلى عملي فأنا من محبي عنصر الماء في الطبيعة .. لا تكاسي ولا مواصلات نقل داخلي ولا ترامواي يستهويني.. أنظر نظرة بعيدة إلى الأفق ثم إلى فندق “فيكتوريا” ثم إلى نهرنا الجميل، وفي رأسي تساؤل لو أن الملكة “فيكتوريا” جاءت إلى “سوريا” لاختصرت على نفسها رحلة سياحية إلى “البندقية” في “إيطاليا”، ولوفرت من مصاريف رحلتها الملكية، وسخرّتها لبناء ما دمّرته الحرب الأهلية حالياً من “انجلترا” هكذا تقول الأخبار.

نعم إنها الأيادي الخارجية المعادية للدول الطامعة بخيرات “انكلترا”، و وحدة شعبها على اختلاف طوائفه وتياراته الفكرية .. إنها الامبريالية إنها العولمة والمؤامرات الكونية.. أدام الله علينا نعمة الوحدة العربية الوليدة.

الآن وبالنظرة الحالمة، والشريدة نفسها استيقظ على مهل.. “خبيزة” التي تحدث عن رائحتها اللذيذة الشاعر “نزار قباني” وقال أنها تفوح من منزله الدمشقي أقصد قارورة العطر التي عاش فيها، نعم هي كذلك بيوت “دمشق” قوارير من عطور الشرق الساحرة.. أركيلة و”أم كلثوم” روائح مسائية سورية ممزوجة مع أغاني الطرب.. مهلاً أنا أحلم الآن تذكرت!.. إحباط وخيبة يمشيان في شراييني، ويتعثران بممرات الذاكرة الضيقة.. لاجندول، ولا وحدة عربية، ولا جلاء للمستعمر الإسرائيلي،  ولا “البندقية” الإيطالية في “دمشق”.. الآن الساعة التاسعة مساءً بتوقيت شهر كانون الأول.

المدفأة مشتعلة.. نارها شبيهة بحبات البرتقال في داري، دافئة كرائحة زهر الليمون التي تدغدغ أنفي.. أدير المذياع.. خطاب حكومي مهم يُطمئن السوريين بشتاء دافئ، وصيف بارد لامشاكل تُذكر مع الكهرباء أو النفط ..القحط والتقشف.. تلك أيام ولّت من زمان ياحبيبي.. أدام الله علينا نعمة بترولنا لولا تلك النعمة لما شفت كهرباء ولا سمعت مذياع ولا تطمأنت بخطاب معاليه.

اقرأ أيضاً: أكره الرطوبة والبحر والصيف – عفراء بهلولي

«هييييي يا حبيبنا أخونا المواطن اللي بضل نايم، فيق يا عيني وصلنا لآخر الخط ».. افتح عين واحدة على مهل، والثانية مستسلمة للنوم، وهاربة من ضوء عمود الإنارة المفاجئ، والمتقطع في الشارع نزلت من المكرو .. دوار وآلام بالرأس والرقبة، والكتفين إنها آلام تغزو جسد السوري حتى إذا كان ابن 25 و30 سنة.. سببها العمل في وظيفتين رحلة كفاح تبدأ من الساعة الخامسة صباحا، وحتى التاسعة مساءً.

الآن تذكرت كان حلماً !.. دوار إضافي يمشي معي هالمرة الإحباط والخيبة تركتها بهداك المنام .. مسكن آلام هذا ما أحتاجه، الصيدلي: «مامعي رجعلك خود هي لصقات طبية»، أنا: «يمكن اللصقات بتلزمني أكتر مشاعري مجروحة».

كملت ع البيت مشي.. صيدلية، دكان، عمود إنارة وشارع.. ازدحام وتراكض الناس للحصول على مقعد بالمكرو مشهد مكرر يومياً .. لحظة طفت الكهربا صار وقت التقنين!.

الشوارع عتمة .. الحفريات عنا معالم سياحية .. مطر ورومانسية شتوية بس يا فرحة ما كملت، بصعوبة طلعت من الحفرة اللي نزلت فيها !، وسيارة يسوقها مواطن لطيف أبداً مو عنيف بحب يسوق ع البطيء ويرش عالناس من وحل الطريق!.. بس كملت وعم احكي مع حالي: «مارح استسلم».. وصلت عالبيت مع عرج خفيف بالقدم.. لاكهربا، لاتدفئة والبرد ضيف عتيق.. مع ابتسامة صمود قررت ارجع عيش حياتي بمنام جديد.

اقرأ أيضاً: منها العنبر وجرن الحنطة والرحى.. إرث الجدّات السوريات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى