الرئيسيةشخصيات سوريةفن

“محمد الماغوط”: الكهربا وصلت لقفاي قبل ما توصل لضيعتنا

ميلاد محمد الماغوط.. الأديب السوري الذي عاش معاناة الوطن وتنبأ بها ووصف حالتها قبل 40 عاماً

سناك سوري -سها كامل

«الكهربا وصلت لقفاي قبل ما توصل لضيعتنا»، جملة أوردها الكاتب الراحل “محمد الماغوط” في مسرحيته الشهيرة “كاسك ياوطن” التي عُرضت عام 1979 على لسان الفنان “دريد لحام”، وبعد مرور 40 عاماً عليها يبدو أنها ماتزال صالحة للحالة السورية اليوم.

يصادف اليوم، الثاني عشر من شهر كانون الأول، ذكرى ميلاد الكاتب والروائي والشاعر والأديب السوري “محمد الماغوط”، الذي مايزال حاضرا من خلال كتاباته الساخرة في المشهد السوري الحالي.

يقول “الماغوط” في روايته “ساعة المستقبل”: «بعد ثلاثين سنة من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الإعلام العربية.. نعلم أنه عندما تركز الأجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية»، يضيف: «أنا مثلا دون تردد أو مناقشة، ما أن تركّز مثل هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأةً، حتى أجهّز شحّاطتي وبيجاماتي وأحلق شعري على الصفر سلفاً!».

هل قرأ المستقبل فعلاً بهذه القصيدة؟

ألّف الكاتب المسرحي الراحل “محمد الماغوط” مسرحية “ضيعة تشرين” في سبعينيات القرن الماضي، إبان تشكيل دستور جديد لسوريا في تلك المرحلة.

واشتهرت المسرحية بهذا المقطع “شو يعني بيك؟.. مين حكمك على هالمساكين؟ .. ولك الدستور.. أنو دستور ؟ دستور الضيعة.. ورجيني الدستور.. الدستور بالخِرج.. وين الخِرج.. عالحمار.. وين الحمار.. موقوف.. ليش؟ أكل الدستور..”.

“لك كيف انهضم معه هيك دستور؟؟”، جملة شهيرة للفنان “دريد لحام” من مسرحية “ضيعة تشرين”.

كما كتب الأديب السوري “محمد الماغوط” مجموعة مقالات “سأخون وطني” عام 1987، أعادت طباعتها “دار المدى” بدمشق .2001

يقول في إحداها: «لو حلت الآن بالمنطقة وبالعالم أجمع، أفدح المصائب القومية أو الجغرافية أو المصيرية، فإن المواطن العربي رداً على هذا المصير الذي آل إليه، لم يعد يقفز إلى بندقية ليحارب أو إلى الشارع ليتظاهر، أو حتى إلى السطوح ليتفرّج، بل إلى آلة الجيب الحاسبة ويحسب: هل تؤثر على تجارته إذا كان تاجراً؟، أو على محصوله إذا كان مزارعاً؟، أو على شهرته إذا كان كاتباً؟، أو على اعلاناته إذا كان صحافياً؟، أو على امتحاناته إذا كان تلميذاً؟، أو على ترفيعه إذا كان موظفاً؟».

هل استطاع الأديب “محمد الماغوط” فهم المواطن العربي والسوري؟

كتب الأديب السوري “محمد الماغوط” أيضاً قصيدة “المقص” وقال فيها:

كل ما تراه و تسمعه و تلمسه و تتنشقه و تتذوقه..

و ما تذكره و تنتظره و ينتظرك..

يدعوك للرحيل و الفرار و لو بملابسك الداخلية .. إلى أقرب سفينة أو قطار..

ألوان الطعام و الشراب..

و الخدمات العامة و الرشاوى العلنية..

و أصوات المطربين و أصوات الباعة..

و مخالفات المرور..

و الأمراض المستعصية و الأدوية المفقودة..

و المجارير المكشوفة في كل مكان..

وبعد أعوام كثيرة، يطرح التساؤل نفسه، هل استطاع قلمه ملامسة الواقع السوري؟ هل قرأ “الماغوط” في هذه القصيدة ما سيحصل في سوريا وموجات اللجوء التي شهدتها خلال الحرب؟.

اقرأ أيضاً: “صادق جلال العظم”.. المفكر السوري الذي نادى بفصل الدين عن الدولة

ومن كتابات “محمد الماغوط” اخترنا هذا المقطع الهزلي “الفراشة”، التي قال فيها:

مواطن عربي قُتل في إحدى المظاهرات الشعبية إبان الحماسة الوطنية التي اجتاحت المنطقة بعد الاستقلال

يشتاق وهو إلى جوار ربه إلى زوجته وأطفاله وبلاده.

فترفّ روحه من الشوق والفضول في كبد السماء، ويجري الحوار التالي مع زوجته التي كادت أن تنساه:

الزوج: كيف الصحة والأولاد والجيران؟

الزوجة: بخير. وأنت؟

الزوج: وهل هناك أروع من أن يموت الانسان في سبيل بلاده ومبادئه؟ ولكن فراقكم أدمى قلبي أكثر من جراحي.

الزوجة: وماذا نقول نحن؟ آه لو تعرف ماذا فعلت خالتك أم حمود، وماذا قالت عمتك أم حميدان عندما أذيع نبأ موتك.

الزوج: لا أريد أن أستنفذ المكالمة في أخبار شخصية. أريد أن أسأل عن القضايا الكبرى التي قضيت من أجلها. طمنيني: ما أخبار حركة التحرر العربي؟

الزوجة: عال.

الزوج: وحركة عدم الانحياز؟

الزوجة: ممتازة.

الزوج: والحرية في الوطن العربي؟

الزوجة: بتبوس ايدك

الزوج: والسجون؟

الزوجة: فارغة.

الزوج: عظيم. عظيم. لأن حلمي الكبير كان الاستفادة من تلك القاعات الرهيبة بعد إخلائها، إما كمسارح لرقص الباليه، أو معاهد لتطوير الموسيقى الشرقية. فبماذا تستغلونها الآن؟

الزوجة: ما زلنا حائرين بين الباليه والموسيقى.

الزوج: عظيم. عظيم. وبرامج الإصلاح الزراعي هل اكتملت؟

الزوجة: إلى حد كبير.

الزوج: إذاً أصبح كل شيء متوفراً ورخيص الثمن بالنسبة للطبقة الكادحة.

الزوجة: طبعاً وخاصة الفاكهة.

الزوج: وبالنسبة للمشاريع الاقتصادية الكبرى؟

الزوجة: كالمطر. ونحن الآن نقطف ثمارها.

الزوج: إذاً فالأموال العربية لعبت دورها كما يجب. فنحن أغنياء كما أذكر… أحد الجيران: «ولك سد بوزك العمى شو أجدب».

“الماغوط” يبدو أنه تمكن من فهم واقع حركات التحرر العربية وما تؤول إليه الأمور بعد التضحيات؟.

اقرأ أيضاً “مصطفى العقاد”.. حكاية آخر الفرسان السينمائيين في ذكرى رحيله

 المواطن

وعن المواطن كتب الشاعر “محمد الماغوط” “المواطن والراديو” وقال فيها:

«مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويعلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي».

إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال. المستمع: والتخلف.

إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز “جايي، أنا جايي …. جايي لعندك جايي”.

المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، إنها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.

إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.

المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.

فهل مازال واقع المواطن السوري كما وصفه الأديب الراحل؟.

اقرأ أيضاً: ذكرى رحيل السخرية.. الكوميديا السوداء في حياة “الماغوط”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى