الرئيسيةرأي وتحليل

انترنت بقرة أبو سمعان – أيهم محمود

عن الأبقار التي تعودت أكل الدولار الأخضر عوضا عن المرج الأخضر

لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يسمع الجيران صوت “أبو سمعان” وهو يشتم الانترنت والذي اخترعه، أبو سمعان من جيل الهوائيات التلفزيونية وبعد التطوير والتحديث في حياته الشخصية أصبح من جيل الصحون المستقبلة لبث الأقمار الصناعية، أثرت فيه دعايات زبدة “لورباك” عن تدليل الأبقار للحصول على إنتاج وفير.

سناك سوري-أيهم محمود

أبو سمعان مزارع وهو بالتأكيد يتمنى زيادة إنتاج أبقاره لذلك قرر اختبار التجربة “اللورباكية”، سأل ابنه سمعان المختص بالمعلوماتية فأقنعه بأن يزود حيوانات الزريبة بهواتف ذكية خاصة مرتبطة بالإنترنت، في السنوات الأولى لهذه التجربة زاد إنتاج الحليب وزاد أيضاً معدل ولادة العجول الصغيرة، لم يحاول أبو سمعان معرفة سبب زيادة عدد المواليد بعد دخول الإنترنت للزريبة بما أن هذه القضية هي مسألة “بقرية” صافية لا يجب أن يتدخل البشر فيها، المهم يا سادة يا كرام انتهت التجربة “اللورباكية” بصداع لا حل له يطرق رأس أبو سمعان كل يوم وكل ساعة، انتهى عصر الرخاء فجأة وبدأ عصر الخراب، لقد ارتفع سعر مبيع الدولار!.

اكتشف أبو سمعان ورفاقه من مربي الأبقار في القرية أن ما تأكله هذه الكائنات “دولاري” المنشأ، أبقاره تأكل الأخضر الورقي وليس الأخضر الموجود في مروج وبساتين القرية، تحتاج هذه الكائنات ذات الكروش الكبيرة في زريبته الكثير من العلف لتُنتج الحليب، لكن هذه الحقيقية لم تكن آخر المصائب التي وقعت على رأسه، أبقاره أصبحت مثقفة تتابع الشأن العام باهتمام شديد، تلك البقرة اللعينة ذات اللون الأبيض والبقع السوداء تتابع أخبار الاقتصاد والبورصات العالمية وسوق الأسهم وتعرف بالتحديد أسعار العملات الدولية وسعر برميل نفط برنت، تسأله يومياً هل مازال لديك مال لتشتري لنا العلف يا أبا سمعان؟.

يتمتم المغدور أبو سمعان في قلبه: “الله يلعنك يا سمعان على هذه النصيحة، انترنت للأبقار!”

اقرأ أيضاً: المواطن السوري المزعج في عصر الإنترنت – أيهم محمود

الإنترنت جيد في زمن الخير لكن في زمن الحروب يتحول إلى كارثة حقيقية، حتى الثور أصابه الاكتئاب من كثرة القراءة وقل كثيراً عدد مواليد العجول في الزريبة بعد ابتعاده عن متابعة المواقع الهادفة واستغراقه الحصري في متابعة المواقع الإخبارية، طالبت البقرة الحمراء البلدية بإنترنت ضوئي وسرعات أكبر وانتقدت ضمنياً بخل أبو سمعان وعدم توفيره للوسائل الضرورية للمعرفة والتعليم من أجل زيادة إنتاج الحليب، خالفتها الرأي البقرة الهولندية التي أشارت أنهم جميعاً في ورطة وأن سعر التبن سيتضاعف أو ربما سيصبح ثلاثة أمثال سعره الآن وأن انتاجها من الحليب لن يغطي كلفة التبن الذي تأكله.

هذه البقرة بالتحديد تتابع يومياً سعر الدولار الحقيقي عبر مقارنة سعر العلف المحلي مع سعر العلف العالمي وبذلك تستنتج سعر الدولار الذي لا تنشره المواقع الإخبارية المختصة في نشر سعر صرف العملات، الوعي مشكلة حقيقية عندما يدخل من باب الزريبة قبل أن يتمكن من الدخول بشكل كامل من أبواب بيوت البشر، فكر أبو سمعان في إيقاف بث “الواي فاي” باتجاه الزريبة لكنه تراجع عن الفكرة خوفاً من تراجع إنتاج الحليب الذي يغطي بالكاد تكاليف العلف وبعض مستلزمات المزرعة.

“لم يعد العالم مكاناً صالحاً للعيش بعد ولادة الإنترنت”، فكر أبو سمعان بهذه المقولة الفلسفية العميقة وهو يهز رأسه ويضرب كفاً بكف أثناء دخوله من باب منزله.

“يا أم سمعان”
نادها بصوت عالٍ فخرجت مسرعةً من المطبخ لتلبية ندائه:
“وين سمعان؟”
“سمعان ما هون، كأنك خرفت يا أبو سمعان، هذه ثالث مرة تسألني هذا السؤال خلال ساعة واحدة”.

اقرأ أيضاً: بيت الطاعة الدولي – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى