“ماري عجمي” الرائدة النسوية صاحبة “العروس” التي رحلت وحيدة
في ذكرى وفاتها .. “عجمي” وقصة حبها لمراسل مجلتها
سناك سوري _ محمد العمر
«إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تميت جراثيم الفساد وأن في يدها سلاح يمزق غياهب الاستبداد، وأن في فمها عزاءٌ يخفف وطأة الشقاء البشري ….. أقدم مجلتي لا كغريبة تثقل بها عواتقهم بل كتقدمة إلى من يليق بهم الإكرام وتناط بهم الآمال»
هكذا قدّمت “ماري عجمي” مجلتها التي حملت اسم “العروس” عام 1910 وكانت أول مجلة نسائية في “سوريا”، وهكذا سجّلت “عجمي” اسمها كواحدة من أهم أعلام الحركة النسوية السورية.
حيث لم تنتهِ حكاية “عجمي” عند وفاتها التي تصادف مثل هذا اليوم عام 1965، بل بقيت كرمز ملهِم للنساء السوريات، في قدرة المرأة على صناعة التغيير والنهضة والخروج من عباءة أي عادات وتقاليد قد تكبح جماح طموحها وقدراتها.
الفتاة المولودة في “دمشق” عام 1888 وجدت في والدها “عبده يوسف العجمي” وكيل الكنيسة الكاتدرائية انفتاحاً على العلم والأدب، حيث أدخلها إلى “المدرسة الإيرلندية” وهي في الخامسة من عمرها، وانتقلت بعدها إلى المدرسة الروسية في “دمشق”، فيما حال وضعها الصحي دون إكمال دراستها للتمريض في الجامعة الأمريكية في “بيروت”.
خاضت “عجمي” رحلتها في مجال التعليم متنقّلة بين “زحلة” اللبنانية و “الإسكندرية” في “مصر” ثم عادت إلى “دمشق” أثناء فترة الصراع أواخر وجود الاحتلال العثماني، ويروي الكاتب اللبناني “ميشال جحا” في كتابه “ماري عجمي” أنها التقت في ذلك الحين بشاب من أصل يوناني يقيم في “بيروت” ويدعى “بترو باولي” واجتمعا معاً على مقاومة العثمانيين وقد عمل “باولي” كمراسل لمجلة “العروس” في العاصمة اللبنانية وجمعته علاقة حب بـ”عجمي” لكنها لم تدم طويلاً حيث اعتقله العثمانيون وضمّوه إلى قافلة المناضلين الذين أعدموا في 6 أيار 1916 في ساحة “الشهداء” في “بيروت”.
اقرأ أيضاً:البومة المتمردة .. “غادة السمان” كاتبة الاعتراف والتعرية
تابعت “عجمي” مسيرة نضالها بعد رحيل حبيبها، وإذ تغيّر وجه الظلم من العثمانيين إلى الفرنسيين فإن الظلم لم يتغير ولم تتغير معه طبيعة “عجمي” المقاومة في كتاباتها وأنشطتها، إلا أن سلطات الانتداب لم تحتمل كلمات “العروس” فأوقفوها عام 1926.
لكن مسيرة “عجمي” لم تتوقف عند توقيف مجلتها فأسست النادي الأدبي في “دمشق” و كانت المرأة الوحيدة في “الرابطة الأدبية” التي أسسها الشاعر “خليل مردم بك” نظراً لكتاباتها الشعرية المتميزة.
وشاركت مع “فاطمة مردم” و “سلوى الغزي” في تأسيس جمعية “يقظة المرأة الشامية” ثم جمعية “نور الفيحاء” واللتان كانتا معنيتين بأحوال المرأة وحقوقها والدعوة إلى تعليم البنات، وأسست أيضاً مع “نازك العابد بيهم” النادي النسائي الأدبي.
وحازت “عجمي” على جائزة المباراة الشعرية التي نظّمتها الإذاعة البريطانية عام 1946 عن قصيدتها “الفلاح” وجدّدت في العام التالي فوزها بالجائزة، لكنها مع تقدّمها في السن انزوت تدريجياً بعيداً عن مشاقّ السياسة والعمل الاجتماعي والتدريس بعد أن أتمّت مسيرة طويلة من النضال.
في مقاله “شاعرة دمشق” يذكر الصحفي “عيسى فتوح” أن “عجمي” دفنت في مقبرة “الباب الشرقي للروم الأرثوذوكس” في “دمشق” يوم 25 كانون الأول 1965، وأقام لها اتحاد الجمعيات النسائية حفل تأبين كبير بعد 5 أشهر على وفاتها.
تُجسّد “عجمي” مثالاً للنساء السوريات المقاومات، واللواتي ساهمن في كتابة تاريخ البلاد والوقوف في وجه الظلم، وصناعة التغيير للأجيال التي تلتهنّ، حيث كانت الخطى الرائدة التي اتخذتها “عجمي” وقريناتها من رموز الحركة النسوية خطىً ثورية في ذلك الحين ساهمت في تغيّر وضع المرأة السورية نحو الأفضل.
اقرأ أيضاً:“غادة مراد” أول قاضية في “سوريا” و أول عربية تصبح نائباً عاماً للدولة !