عجز مؤتمر دعم مستقبل سوريا في بروكسل عن تلبية نداء الأمم المتحدة في تأمين 11 مليار يورو لسوريا. لكنه نجح في إبقاء القضية السورية في التداول وجمع 5.6 مليار دولار تمثل قرابة نصف احتياجات السوريين.
سناك سوري – بلال سليطين
وجه أمين عام الأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” نداءاً لمؤتمر المانحين “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي عقد في بروكسل. وطالب الدول المشاركة وعددها 57 دولة أن تجمع قرابة 11 مليار يورو من أجل تلبية احتياجات 15 مليون سوري متضررين من الصراع. والأوضاع التي يخلفها الواقع المعيشي في سوريا.
إلا أن المؤتمر في نهاية المطاف جمع قرابة نصف الاحتياجات التي ناشدت بها الأمم المتحدة. إذ تم الإعلان فيه عن منح 5.6 مليار يورو سيتم صرفها على شكل منح في سوريا ودول الجوار التي تستضيف اللاجئين.
ويعني هذا المبلغ أن المنظمات الدولية العاملة في سوريا ومؤسسات المجتمع المدني السوري سيكون لديها عجز 50% في تلبية الاحتياجات. مما سيؤثر على برامجها وطريقة عملها وكيفية تقديم المساعدات ونوعيتها وعدد المستفيدين منها …إلخ.
التعافي المبكر وعودة اللاجئين أولويات
انطلقت أعمال مؤتمر دعم مستقبل سوريا يوم 14 حزيران 2023 وهو يمثل النسخة السابعة، وقد استهل بيوم الحوار السوري الذي شارك فيه منظمات المجتمع المدني السوري. بالإضافة لممثلي المنظمات الدولية العاملة في سوريا.
وقد تركز اليوم الأول بشكل رئيسي على ملفين أساسيين التعافي المبكر وعودة اللاجئين، حتى أن أحد المتحدثين عبّر عن امتعاضه من ضعف حضور الجانب السياسي في يوم الحوار. وقال كم مرة سمعنا عن الحل السياسي والقرار 2254 اليوم مرتين!. وهي إشارة لقلة عدد المرات التي كان يذكر فيها هذا الأمر مقارنة بسنوات سابقة. وهو مايعكس تغيراً لدى المجتمع المدني السوري ولدى المنظمين في التعاطي مع الملفات.
أحد المتحدثين عبر عن امتعاضه من ضعف حضور الجانب السياسي في يوم الحوار. وقال كم مرة سمعنا عن الحل السياسي والقرار 2254 اليوم مرتين!.
لكن هناك خلاف بين المُجتمِعين حول ملفي “التعافي المبكر. وعودة اللاجئين”. ويرى البعض أن التعافي المبكر نوع من إعادة الإعمار وهم يرفضونها ويقرنوها بالحل السياسي.
بينما يرى البعض الآخر أنه أولوية قصوى لتمكين المجتمعات من الصمود ومساعدتها على البقاء. وتُنتَقد الطريقة التي يتم تنفيذ مشاريع التعافي المبكر فيها على اعتبار أنها خجولة.
الفقر الطاقوي يؤثر على مشاريع التعافي المبكر
يشير مدير أوكسفام سوريا “معتز أدهم” إلى الفقر الطاقوي في البلاد. وأن مشاريع ضخ المياه التي يدعمونها مثلاً تفتقد للطاقة الكهربائية التي تساعدها على ضخ المياه للسكان. هذا المثال جزء من آلاف الأمثلة حول ضرورة الدعم القطاعي للكهرباء والبنى التحتية الحيوية في سوريا لكي يكون هناك دورة مشاريع كاملة واستدامة.
علماً أن الاستدامة كانت أحد الهواجس التي تم التعبير عنها بشكل كبير خلال المؤتمر خصوصاً من قبل اليونسيف الذي انتقد ممثلوه سياسة التمويل السنوية مطالبين بخطط طويلة الأمد للتعليم وإعادة تأهيل البنى التحتية التعليمية في البلاد.
إلا أن الاتحاد الأوروبي كان حاسماً لناحية التحول باتجاه التعافي المبكر وأن الاعتراضات على هذا الأمر لن توقفه.
أما موضوع عودة اللاجئين فكان أيضاً مثار جدل بين القبول والرفض. وتنوعت الآراء بين من يرى ضرورة تهيئة البيئة والبنى التحتية لعودة اللاجئين إلى مناطقهم وتأمين ضمانات أمنية لهم داخل سوريا. وبين من رأى أن عودة اللاجئين يجب أن ترتبط بالحل السياسي.
بالإضافة إلى اتفاق الجميع تقريباً على موضوع مواجهة خطاب الكراهية للاجئين في دول الجوار. وضرورة حمايتهم وضمان أن تكون العودة آمنة وطوعية لهم.
بينما موقف المبعوث الأممي لسوريا “غير بيدرسون” تكرر ذاته حول دعم عودة آمنة وطوعية، وألمح إلى إمكانية استثمار مبدأ الخطوة مقابل خطوة في هذا الإطار لناحية دعم مشاريع تعافي مبكر وبنى تحتية داخل سوريا كخطوة. وضمان الحماية الشخصية للعائدين كخطوة مقابلة.
ميغيل لـ سناك سوري: نتشاور مع الجامعة العربية حول الحل سوريا
بينما قال “لويس ميغيل” المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لـ سناك سوري أن إعادة العلاقة مع الحكومة السورية ودعم إعادة الإعمار مرهون بخطوات تقوم بها دمشق. وعند السؤال عن الخطوات تحدث عن القرار 2254، وإجراء حوار سياسي وكشف مصير المفقودين والمعتقلين.
وأضاف إن الانخراط الجدي للاتحاد الأوروبي مع الحكومة السورية يأتي بعد انخراط الحكومة السورية بعملية سياسية جدية. ويعتبر أن هذا الأمر يمكن أن يكون وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة.
وأشار “ميغيل” أن الاتحاد الأوروبي لديه تواصل مع من وصفهم بالشركاء في الجامعة العربية. وأضاف:«نتشاور معهم منذ بداية الأزمة ومستمرون في التشاور. ونحن نتفق مع فكرة أمين عام جامعة الدولة العربية “أحمد أبو الغيط” أن عودة سوريا للجامعة العربية هي بداية الطريق فقط».
المؤتمر الوزاري… العرب يحشدون لمبادرتهم من بروكسل
الحضور الوزاري العربي خلال مؤتمر دعم مستقبل سوريا يوم 15 حزيران اقتصر على دول الجوار المعنية بجمع التبرعات “الأردن، لبنان، العراق” إضافة للسفير “التركي”. بينما انخفض التمثيل الخليجي هذا العام بشكل واضح وهو يعكس التقارب بين دمشق والرياض وأبو ظبي على وجه الخصوص. حيث لم تتم دعوة الحكومة السورية للمؤتمر ويفضل العرب توجيه دعمهم من الآن وصاعداً ضمن المبادرة العربية تجاه دمشق.
الوزراء العرب كانوا شبه متفقين في الخطاب على دعم المبادرة العربية في التواصل مع دمشق. والتي أكدوا ضرورة الحوار معها وأطلقوا سهام نقدهم على سياسة القطيعة المفرطة التي ينتقدها الغرب.
الصفدي: المخدرات هي التهديد
وقال وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي“:«سياسة الوضع الراهن غير ناجحة وتكرار الإجراءات ذاتها لن يفضي إلى حل». في إشارة إلى الموقف الغربي المستمر في القطيعة.
وتابع:«خلال السنوات الماضية لم يكن هناك أي جهد لحل الازمة. والوضع الراهن يشير لمزيد من التدهور لذلك قمنا في العالم العربي بأخذ المبادرة لحل الازمة السورية. في الماضي كان التهديد هو الإرهاب بينما الآن هو المخدرات».
وأشار الصفدي إلى أن:«استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية يؤدي لازدهار تجارة المخدرات. لذلك قلنا في المنطقة العربية أنه علينا اتخاذ مسار الخطوة مقابل خطوة ونتعاون مع المبعوث الأممي غير بيدرسون في ذلك».
من جانبه وزير الخارجية العراقي “فؤاد حسين” عبر عن دعم بلاده للمسار العربي وأكد على ضرورة رفع العقوبات وتحدث عن تأثيرها على السوريين. كما عبر عن دعمه تسهيل دخول المساعدات عبر الحدود وجلوس كل الأطراف على طاولة الحوار للتوصل للحل السياسي الذي يعتبر الحل الوحيد. حسب “حسين”.
أما وزير الخارجية اللبناني “عبد الله بوحبيب” فاعتبر أن العرب يأخذون المبادرة لحل المشكلة السورية معتبراً أن في هذا مصلحة للجميع. وأضاف:«مسؤولية العرب أن ينظروا لما يحدث في سوريا ويعملوا على معالجته لأن له تأثير عليهم. داعياً الاتحاد الأوروبي لدعم المبادرة العربية».
القضية السورية تحافظ على حضورها الدولي
يحسب للمؤتمر أنه نجح في الحفاظ على بقاء القضية السورية على طاولة الملفات الدولية وحمايتها من النسيان بعد الأزمة الأوكرانية. والتي حصلت على معظم الاهتمام الدولي والتمويل. وذلك بحسب آراء بعض النشطاء السوريين الذين التقيناهم على هامش المؤتمر.
كما أنه وفر فسحة للمنظمات الدولية العاملة في سوريا للتعبير عن أولوياتها واحتياجاتها وعلى رأسها تأهيل البنى التحتية في الداخل السوري. وتأمين مساعدات غذائية لـ2.5 مليون سوري إضافة لدعم حوالي 15 مليون سوري متضررون من النزاع وآثاره على البنى المجتمعية والتحتية والقدرة المعيشية…إلخ.
إضافة لوضع ملف العقوبات على طاولة المؤتمر وحديث ممثلي اليونسيف والصليب الأحمر وأوكسفام وغيرهم من المنظمات الدولية عن تأثيرها على عملهم.
المجتمع المدني السوري أيضاً وجد فيه فرصة للتعبير عن هواجسه ومشكلاته أمام المجتمع الدولي، سواء تلك المرتبطة بتسييس العمل الإنساني وربط إعادة الإعمار بالحل السياسي أو قضايا المحاسبة والمساءلة ومسار التغيير في سوريا وتطبيق القرار 2254.
في حين وجهت انتقادات تنظيمية للمؤتمر من المجتمع المدني السوري في الداخل والخارج وصدرت عدة بيانات حوله. وتركزت الانتقادات حول عدم عدالة التمثيل وعدم تشميل أوسع طيف من ممثلي المجتمع المدني السوري إضافة لعدم منح فيزا لبعض المدعوين من مختلف المناطق السورية.
هذا وشارك في المؤتمر ممثلون عن منظمات المجتمع المدني السوري في مختلف المناطق داخل سوريا وخارجها. ومن بينهم الهلال الأحمر العربي السوري، ودائرة العلاقات المسكونية والتنمية، والدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، إيمباكت، مركز المجتمع المدني والديمقراطية، بيتنا، حركة البناء الوطني، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، مبادرون، ..إلخ.
“جوزيف برويل”: 12 سنة من النزاع معاناة لايمكن وصفها
رئيس المفوضية الأوروبية “جوزيف بوريل” الذي افتتح المؤتمر قال في مؤتمر صحفي إن 12 سنة من النزاع في سوريا أدت لـ معاناة لايمكن وصفها. أضيف إلى ذلك تأزم الأوضاع نتيجة الزلزال.
وأضاف:«الاتحاد الأوروبي يريد أن يبقى الوضع السوري على قائمة جدول الأعمال الهامة. ويسعدني أننا جمعنا وزراء وممثلين من 57 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية».مذكراً أن الاتحاد الأوروبي قدم 30 مليار دولار لسوريا كدعم للاحتياجات الإنسانية خلال 12 عاماً.
مؤكداً أن التبرعات المقدمة تسعى لتغطية الاحتياجات الإنسانية ودعم التعافي المبكر والصمود. وأضاف:«المؤتمر ليس فقط لجمع التبرعات والموارد المالية. إنه فرصة لالتزام المجتمع الدولي بحل سياسي شامل وتام للأزمة السورية. وعزم على التنفيذ الكامل للقرار 2254».
يذكر أن المؤتمر في نسخته السابقة قدم 4.1 مليار يورو على شكل منح ازدادت حتى كانون الأول 2022 حتى وصلت 7.3 مليار يورو بحسب بيانات الاتحاد الأوروبي. والذي قال إن الأموال وزعت داخل سوريا وعلى دول الجوار التي تستضيف اللاجئين.