ليس في حديثي سياسة بل “زكزكة”
أنت بتفهم أكثر من الحكومة!؟
سناك سوري – شاهر جوهر
لا أعتقد عزيزي القارئ أنها مصادفة أن يقول الشامي عن القلم (ألم) ، أو أن يطلق أبناء المدن المتوسطة – ما دون المجتمع المفيد – كلمة قلم لكل فتاة ممشوقة القد والقوام.
لكنني أكاد أجزم أنه لأمر مدروس بعناية أن يلفظ القلم في بلدتي بلهجة محلية ثقيلة حيث حرف القاف يلفظ كما تلفظ الجيم المصرية مع بعض الإضافات التي تخرّش معناها وتجعله أقرب ما يكون لمخلفات ألغام، أو مفخخة لداعش. فما أن يقولها أحدهم حتى تفعل نهايات الأعصاب في وجهه فعلها فتتكشف الأنياب فيبدو القائل مثل انغماسي ضغط على الزناد ليريك مافي أمعائه من مخلفات. ولربما لهذا السبب خرجت داعش من رحم البادية، حيث الصحراء لا تعرف المجاملة.
ولربما لهذا السبب أيضا تركت القلم منذ مدة حتى بلغ تقصيري في العمل مبلغه، فإدارة التحرير على لطافتها معي لربما لا تدرك أن اللطافة أحيانا تكون أسوأ عقاب، وهذا ما تعلمته هنا.
لهذا استيقظت اليوم باكراً، أديت صلاة الفجر، ثم أكملت رياضتي بالهرولة حول البيت لعل “برنارد شو” يكون صادقاً هذه المرة معي في مقولته أن «أجمل الأفكار تأتينا ونحن نمشي».
لهذا سأروي لكم حكاية، حكاية يومي هذا ولمرة واحدة فقط .
ابن أخي يعاني من متلازمة نفسية تحولت من عادة إلى وسواس قهري، فهو لا يبرح يومه وهو يراقب أنفه حتى كادت أن تحولَّ عيناه، وحين أسأله سبب مراقبته لأنفه طوال النهار يجيب ببلاهة :
– أخاف أن يضيع
أسأله مرة أخرى مصطنعا الصبر:
– ما الذي سيضيع يا حبيبي؟
– أنفي ، أنفي يا عمي
أغمغم متنهداً ثم اسأله من جديد:
– وهل ضاع قبل هذه المرة؟
– يووه، حوالي أربع مرات ، آخر مرة وجدته وحلفت ألا يضيع بعد اليوم.
أطبطب على كتفيه ولي رغبة بقضم أنفه، ثم وبعجز لا يجد لساني سوى الدعاء له ولوالده بالشفاء.
كالعادة أوصله الى مدرسته متأخراً ، ليس لرغبتي أن ألقي التحية الى مدرّسته الجميلة لتبتسم لي وتقدم لي شكايتها منه (لا أريد أن يسيس كلامي)، لربما لأني فقط أحبذ أن أختبر مقولة “أندريه بريفو” عن أفواه النساء في بلدتي حين يقول (الفم : تارة برعم وردة وطوراً بوز مرشة) لكن لن أخبركم كم كانت شيطان جميل ببرعم جميل.
اليوم كانت شكايتها مختلفة، حيث قالت لي بوجع (أستاذ شاهر ابن أخيك لديه حقد على أقلام رفاقه فهو يقوم بتكسير أقلامهم بلا سبب، وحين تسأله يقول “ألعب، وهل اللعب ممنوع”، أرجو ان تجدوا له حلاً فقد نفذ صبري).
قالت ذلك ثم أطبقت الباب بوجهي بشيء من عصبية، لا اعرف حين يكون الحديث عن ابن أخي لما يتحول فمها المبرعم الى بوز مرشة بسرعة هكذا.
وكمراسل لطيف، يتبع نصائح مديره أقول في سري لربما هذه موهبة جديدة تضاف إلى مواهب ابن أخي.
لهذا اتجهت إلى ناظر المدرسة وأخبرته حكايتي، وسألته سبب عدم وجود مدرس إرشاد نفسي للمدرسة، كان جوابه لطيفاً، ضحك ضحكاً خرج من خياشيمه، حتى أنه أسند خاصرته بيده، وكل ما قاله (إلى أن ترسل لنا الحكومة مدرس لغة انكليزية ومدرس للصف الأول والخامس والسادس بعدها نفكر في رفع كتاب لمدرس دعم نفسي لابن أخيك).
ابتسمتُ ببلاهة، لأني لا أقوى على أكثر من ذلك حين يتعلق الأمر برغبات الحكومة والقيادة، فالقيادة أوسع نظر يا أخي، لذا وضعت يدي في يده وغادرته. وطوال الطريق وأنا أفكر في حل مع ابن أخي، ليس لرابطة العمومة والدم التي تجمعني به فقط، إنما لأني مراسل يحفظ النصائح جيدا، فأنا أحفظ جيداً القواعد العامة لمهنتي وكذلك نصائح مديري حين يلوّح باصبعه من خلف مجموعة العمل عبر الفيسبوك ليقول لمجموعة مراسلين من مختلف المحافظات (لتكونوا سناكيين حقيقيين لا تنقلوا فقط أوجاع ومشاكل الناس بل حاولوا أن تكونوا جزءً من حلها).
لربما لهذا السبب رغبت في كتابة هذه الكلمات اليوم، ولأقول أن الصحافة هي أن تروي الأشياء كما هي لا كما ينبغي أن تكون. أقول ذلك ولي رغبة في تحوير ما قاله “بول فاليري” ذات مرة، لأن الذين – يخشون ذلك، ويخشون القلم الساخر – «لا ثقة لهم بقوتهم، إنهم جبابرة كهرقل، يخشون “الزكزكة”».