لجنة فض النزاعات في المسجد .. سدّ الفراغ القضائي أم عودة لما قبل الدولة؟
الشعال لـ سناك سوري: طريقة إعلان مريبة .. ومحامية تصف المبادرة بالضرورية
أثارَ الإعلان عن تشكيل لجنة فض النزاعات العقارية والمادية في المسجد الكبير في حي كفرسوسة بدمشق جدلاً حول جدوى هذا النوع من التحكيم لفض النزاعات بدلاً من اللجوء للمحاكم والسلطة القضائية الرسمية.
سناك سوري _ حلا منصور
وجاء في الإعلان الذي انتشر عبر وسائل التواصل أن اللجنة ستعقد جلسات أسبوعية بإشراف الشيخ “نصار نصار” والمحامي “سليم بردان” ومشاركة أعضاء مختصين آخرين كما ورد في الإعلان.
طريقة إعلان مريبة
اعتبرَ المحامي “عارف الشعال” أنّ اللجنة التي ستعقد جلسات أسبوعية تحت إشراف رجل دين ومحام وبمشاركة أعضاء مختصّين آخرين في مكان للعبادة “لحل الخلافات بكل حيادية وشفافية” لم توضّح أنّها ستمارس عملها بناءً على رغبة طرفي النزاع وليسَ لها سلطة لتنفيذ قراراتها وأنّها تعمل بشكل مجاني.
ووصف “الشعّال” في حديثه لـ سناك سوري طريقة الإعلان عن اللجنة “بالمُريبة”، وقد توقِع المواطن بالتباس أنّها تعمل بالتنسيق مع إدارة البلاد ذات التوجه الإسلامي.
مُبيّناً أنّ نظام الوساطة والتوفيق والتحكيم برضا الطرفين خارج إطار القضاء مُعتمد ومعمول به ضمن الأطر القانونية بالدولة، ولكن هذا النظام مأجور وبمقابل مادي يتقاضاه الوسيط من طرفي النزاع، وهناك قانون ناظم لهذا النوع الخاص من التقاضي وهو يختلف عما ورد بالإعلان موضع النقد.
الفراغ الدستوري والتشريعي بحسب “الشعّال” وعدم وجود معايير واضحة للقانون الذي تستطيع القوى الثورية مخالفته وعدم تطبيق أحكامه، إضافةً للتلكؤ بإصدار إعلان دستوري وتحديد صلاحيات وحدود ممارسة السلطة سيُلحق ضرراً ببنية الدولة قد يصعب تلافيه مستقبلاً.
مبادرة ضرورية بغياب القضاء
بدورها علّقت المحامية “أزهار زيادة” على الأمر بالقول أنها مبادرة ضرورية في ظل غياب العمل القضائي حالياً، لا سيما في القضايا الجزائية، مشيرة إلى توقّف عمل القضاء حالياً وما أدى إليه من فوضى بين الناس.
وأشارت “زيادة” عبر فايسبوك إلى أنها واجهت حالتي نصب واحتيال ونصحت ضحاياهما بتقديم معروض لكنه رفض ولم تتم الاستجابة له بسبب عدم فعالية القوانين حالياً، مضيفة أن الدعوة للجوء إلى القانون والقضاء ينبغي أن تقترن بوجود نظام قضائي يضمن للناس حقوقها الأمر الذي لا يتوفر حالياً ما يجعل مجالس من هذا النوع ضرورية لحين عودة الهيكل القضائي لعمله بشكل كامل على حد قولها.
القضاء البديل معروف عالمياً
المحامي “محمد درويش” رأى أنّ اللّغط الذي رافق هذه الخطوة سببهُ غياب ثقافة تسوية النزاعات عن طريق الوسائل البديلة وعدم وجود نصوص قانونية في التشريع السوري تنظّم الوسائل البديلة لحل المنازعات كما هو متعارف عليه عالمياً والمتمثّلة في الوساطة والتوفيق والتحكيم.
وأضاف “درويش” في تصريح لـ سناك سوري أن النظام القضائي السوري يعتمد على المواقف الكلاسيكية من تسوية النزاعات عن طريق القضاء مهما كان حجم النزاع بسيطاً، وهذا أدى بحسب “درويش” إلى نتائج كارثية على التقاضي، ظهرت في إشغال القضاء بقضايا بسيطة وتراكم ملفات الدعاوى في المحاكم وبطء إجراءات التقاضي، لذلك هناك توجه عالمي نحو اعتماد الوسائل البديلة لحل النزاعات سواء في الاتفاقيات الدولية أو التشريعات الأوروبية والغربية بشكل عام وجعل اللجوء إليها إجبارياً على حد قوله.
واعتبرَ “درويش” أنّ هذه المبادرات رغم افتقادها للتنظيم القانوني وعبثيتها يمكن التعويل عليها في حل النزاعات بين الناس في ظل تعطّل القضاء وتجنّباً لاستيفاء الحق بالذات، وطالما أنّ أطراف النزاع قد تراضوا على اللجوء إليها فإن قرار اللجنة ينزل منزلة العقد الرضائي بين أطراف النزاع ويمكن تنفيذه بالتراضي، كما يساهم ذلك في نشر ثقافة تسوية النزاعات عن طريق الوسائل البديلة ويلفت نظر السلطة التشريعية مستقبلاً إلى تبنّي هذا الاتجاه في تشريعاتها، فالتشريعات الحالية وتعقيد التقاضي وبطؤه لا يمكن أن يشكل بيئة جاذبة لشركات إعادة الإعمار.
وعن التخوّف من تعرّض حقوق الناس للضياع نتيجة عدم إطلاعهم بشكل كاف على القوانين وإفتاء الشيخ بحكم خاطئ، دعا “درويش” للتعاطي مع هذه المبادرات بحذرلأنها قد تؤدي لضياع الحقوق لا سيما في المنازعات العقارية، ويمكن ذاك كإجراء مؤقت عن طريق أن تشترط وزارة العدل حصر هذه اللجان بالمحامين وترخيصها من قبل وزارة العدل وحظر النظر في منازعات معينة مثل المنازعات العقارية التي أوقفت وزارة العدل النظر فيها أمام القضاء مؤقتاً لمنع مسؤولي النظام السابق من بيع أصولهم، وحتى لا تكون هذه اللجان ثغرة يمكن الولوج منها والتحايل على الضوابط الصارمة التي تم فرضها على القضاء حفاظاً على حقوق الناس والأموال العامة وفق حديثه.
ولا يزال الغموض سيد الموقف بما يخص عمل السلطة القضائية حالياً، لا سيما لناحية غياب الدستور من جهة وعدم وجود سلطة تشريعية من جهة أخرى، وعدم وضوح الصورة بما يخص القوانين التي سيستمر العمل بها والقوانين التي ستلغى في وقتٍ ينتظر فيه السوريون أن تتمتّع بلادهم بنظام قضائي موثوق وذو مصداقية وأن تكون السلطة القضائية مستقلة عن كافة السلطات وأي نوع من الضغوطات أو الهيمنة لضمان العدالة وتحصيل الحقوق.