قانون الإعلام الجديد في سوريا .. نص تشريعي بانتظار غودو
بعد 6 سنوات من الحديث عنه .. قانون الإعلام غائب وصحافة بلا ترخيص ولا حماية
بعد 12 عاماً لا زال الإعلام السوري يبحث عن قانونه الذي ينصف العاملين فيه ويحميهم من مقصلة الرقابة على كلماتهم وعملهم الصحفي.
سناك سوري _ محمد العمر
وحين جاء يوم 28 آب 2011 وتم إقرار المرسوم رقم 108 المتضمن قانون الإعلام. شاع جو من التفاؤل في صفوف الصحفيين السوريين وترقّبوا تطبيق نصوصه. لا سيما وأنه ألغى عقوبة سجن الصحفي واكتفى في عقوباته بالغرامات المالية. باستثناء بعض المواد التي أحالت المخالفات إلى قانون العقوبات العام.
كما أن القانون نصّ على تشكيل “المجلس الوطني للإعلام” كجسم مستقل يعمل على حماية حرية الإعلام والتعبير وتنظيم قطاع الإعلام ودراسة منح التراخيص للوسائل الإعلامية والموافقة عليها أو عدمها.
إلا أن المرسوم 23 لعام 2016 سرعان ما ألغى المجلس وحوّل صلاحياته وسلطاته إلى وزارة الإعلام. والتي شكّلت بدورها عقبة أساسية في مسألة منح التراخيص للوسائل الإعلامية خاصة بعد بدء الحديث عام 2017 عن دراسة لتعديل قانون الإعلام.
وبانتظار “غودو” أو قانون الإعلام الجديد في سوريا. بقيت وسائل الإعلام الناشئة تبحث عن فرصة للترخيص والعمل بشكل قانوني في الداخل السوري. في وقتٍ باتت فيه صفحات “الفايسبوك” بغض النظر عن محتواها تجري جولات مصوّرة في الشوارع وتقابل المارّة بل وتنتهك خصوصياتهم في بعض الأحيان دون حسيب أو رقيب. أما الصحافة الحقيقية فكانت بحاجة لألف ترخيص وإذن لكي تقوم بمهامها.
قبل عامين من اليوم كشف الصحفي في جريدة “الثورة” الرسمية “يونس خلف” عن تعرضه للتوقيف. ولكن ليس على يد جهة أمنية ولا شرطة ولا شيء من هذا القبيل. بل على يد مديرة المصرف العقاري بفرع “الصالحية” في “دمشق”. بتهمة تصويره لازدحام المراجعين على مدخل المصرف وإجرائه مقابلاتٍ معهم.
هذه الحادثة تظهر مدى التغوّل في انتهاك حقوق الصحفيين. وانعدام سطوة القانون في التعامل معهم. كمثال واحد له عشرات الحالات المشابهة.
الجرائم الإلكترونية أقوى من الإعلام
في الأثناء. كان قانون الإعلام يُنسَى كأنه لم يكن، إذ بات الصحفيون ضحايا تحت مقصلة “قانون الجرائم الإلكترونية”. سواءً بتهمة “النيل من هيبة الدولة” أو “القدح والذم الإلكتروني”. في حال تناولهم للفساد والفاسدين ومشاركتهم لمقالاتهم عبر وسائل التواصل أو كتابتهم أي منشور على صفحاتهم يتحدث عن تلك القضايا. حيث اعتبرت السلطات المسؤولة أن الصحفي مجرد مستخدم للانترنت تنتفي عنه صفته الصحفية في حال نشره أي معلومة عبر وسائل التواصل. باعتبارها قدحاً وذماً وانتهاكاً للخصوصية بحق المسؤول حتى وإن كانت صحيحة.
قانون الإعلام الجديد في سوريا
عام 2018 قال رئيس محكمة بداية الجزاء المعلوماتية بدمشق القاضي “سالم دقماق” أن قانون الإعلام الذي يجري العمل عليه يضمن زيادة في حرية الصحافة. مبيناً في حديثه لصحيفة “الوطن” أن القانون الجديد سيفرض غرامات كبيرة لكنه سيلغي عقوبة السجن بحق الصحفيين.
وبينما لم يحدد “دقماق” سقفاً زمنياً لصدور القانون. فإن الأمر استغرق عاماً كاملاً حتى يعود الوزير السابق للإعلام “عماد سارة” ويعلن عن قرب صدور القانون الجديد. إلا أن هذا القرب استمر قرابة 4 أعوام حتى اليوم دون أن يبصر القانون النور.
وبين الإعلان عن خروج القانون من وزارة العدل وإرساله إلى مجلس الشعب. ثم إعلان مناقشته في الحكومة والموافقة عليه عام 2022. فإن القانون لم يصدر حتى الساعة وبقي مجرد حلم ينتظره الصحفيون. علماً أنهم لم يكونوا جزءاً من صياغته ولم يعرض عليهم من باب “التشاركية” في صياغة القرار لكنهم وكما فعلوا عام 2011 حين داهمهم الأمل بالقانون 108. فإنهم يتأملون أن يخلّصهم القانون المنتظر من قيود الجرائم الإلكترونية. ويمنحهم تراخيص قانونية تفسح لهم حرية التحرّك والتصوير والعمل. ويغيّر نظرة السلطة التنفيذية للصحافة من وسيلة لترويج إنجازات المسؤولين إلى سبيل للإضاءة على الأخطاء والفساد والسياسات الخاطئة.