في سوريا: أخطاء طبية قاتلة .. والعقوبات غائبة
700 دعوى بين عامي 2014 و2017 موضوعة في أرشيف القصر العدلي.
سناك سوري – متابعات
أخطاء طبية ساذجة، تتم بشكل دائم دون حسيب أو رقيب، راح ضحيتها العديد من الأبرياء الذين قدموا إلى المشافي العامة والخاصة لأجل تسكين آلامهم غير المحتملة، فخرجوا جثثاً هامدة بتقرير صغير يذكر فيه أطباء المشفى سبب الوفاة والدعاء للميت بالراحة الأبدية.
ووثق بتحقيق موسع صادر اليوم عن شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، وفاة خمسة أشخاص، وبتر يد سادس خلال العام 2017، بعد أن تلقوا علاجات أو خضعوا لعمليات جراحية في مستشفيات سورية حكومية وخاصة، نجمت عن إهمال طبي. «ومع ذلك لم تحاسب بسببها أي جهة، سواء أكانت طبيباً أم مستشفى، لعدم وجود قانون للمساءلة الطبّية في البلاد، فضلاً عن تعدد المرجعيات النقابية، الحكومية والقضائية، في شكاوى الإهمال أو الأخطاء الطبية».
ففي “سوريا” فُصِّلت القوانين لكي تحمي مهنة الطب ومزاولوها من أي مساءلة، والملفت في الموضوع تلك الطريقة المريبة التي تجعل أي مواطن عرضة للخطر دون أن يحاسب أحد، حيث يتعرض الطبيب إلى لفت نظر، أو إنذار، إلا إذا كانت القضية كبيرة وفيها ناس مهمين يستطيعون بقوتهم معاقبة الأطباء، الذين بدورهم يشمعون الخيط ويهربوا خارج الحدود.
يقول التحقيق: «تحكم مسارات شكاوى الأخطاء الطبية والإهمال القوانين العامة، وهي: العقوبات والقانون المدني، وقانون نقابة الأطباء، وقانون مزاولة المهن الطبية، وجميعها لا تُعرّف الخطأ الطبي، ولا تحقق مبدأ المساءلة العادلة للجسم الطبي عن أية أخطاء مرتكبة. حيث يرى مستشار “وزير العدل” القاضي “فؤاد درويش” عدم وجود حاجة لقانون مساءلة طبية، كون قانون العقوبات الحالي شامل لكل حالات الأخطاء الطبية، والقضاء هو بيت الحكم».
اقرأ أيضاً منظومة الإسعاف السورية تحتاج من يسعفها
ويأخذ المحامي “كمال سلمان” الذي لديه دعوى إهمال طبي في المحاكم منذ العام 2011، على اللجان الطبية المشكلة من المحاكم وفق قانون العقوبات تواطئها، وعدم نزاهتها وتحيزها. حيث خسر 700 متضرر دعاوى قضائية أمام المحاكم سورية، بين عامي 2014 و2017.
والملفت للنظر حسب التحقيق في صلاحية تشكيل اللجان الطبية من ذوي الخبرة والاختصاص التي تناط بنقابة الأطباء، كونها صاحبة الشأن والأعلم بالأطباء، حسب رئيس شعبة المشافي في مديرية “صحّة دمشق”، والعضو في نقابة الأطباء “عماد شعبان”.
ومع تأكيد القاضي “فؤاد درويش” إلى تعاطف سلبي بين الأطباء الداخل بعضهم في لجان المساءلة: «فنادراً ما تحكم هذه اللجان بأن زميلاً لهم ارتكب خطأ. واللجان الطبية في مثل هذا النوع من القضايا تسد الطريق أمام استرجاع حقوق المتضرر».
فيما يرى المحامي “كمال سلمان”: «أن لجاناً طبّية تتأخر عن قصد في كتابة تقاريرها، وتغيب عن المحاكمات، لإطالة أمد التقاضي طمعاً في العفو أو صفح المتضرر مع مرور الزمن أو سقوط الحكم بالتقادم».
اقرأ أيضاً بالتزامن مع مؤتمر الأطباء وفاة طفل بخطأ طبي في حلب!
ويبرر نقيب أطباء سورية “عبدالقادر حسن”، «أن النقابة ليست الجهة الوحيدة التي تقدم إليها الشكوى، علماً أن المجلس المسلكي تلقى شكويين فقط عام 2017».
كثيرة هي القصص المؤلمة التي ساقها التحقيق عن حالات كان مبضع الأطباء وأخطاؤهم هي السبب في الوفاة، وإحداها قصة “علا” (23 عاماً) التي دخلت إلى مستشفى في درعا في العام 2016 لإجراء ولادة قيصرية. حيث أبصرت وليدتها النور فيما دخلت الأم في غيبوبة استمرت ثمانية أشهر، بعد أن تعرضت خلال الولادة لجلطة دماغية عطّلت وظائف الجسم، إلى أن توفيت.
رفع زوج “علا” دعوى قضائية لدى محكمة “درعا” ضد الكادر الطبي. حيث أوقف 12 طبيباً لبضعة أيام ثم أفرج عنهم، لتغادر الطبيبة المتهمة الأساسية “سوريا”، بحسب نقيب أطباء درعا “ياسر نصير”، وتبقى القضية مفتوحة أمام القضاء.
ويفيد أرشيف “القصر العدلي” بوجود 700 دعوى مصنّفة بين عامي 2014- 2017 تحت بندي التسبب بالإيذاء أو التسبب في الوفاة، وذلك بسبب عدم وجود قانون خاص بالأخطاء الطبية. وهذه القضايا التي يعرفها السوريين وانتشرت بعد حرب السنوات السبع بمصطلح عاد للتردد بشكل كبير خلالها (قيدت ضد مجهول) فمتى يتم القبض على هذا المجهول الذي يخطف الأمان والسلام من حياة السوريين بدل الرصاص؟.
أنجز التحقيق الزميلان: مروة جردي – أحمد حاج حمدو
اقرأ أيضاً دمشق: قبر مجاني هدية لمن يثبت فقره “موتوا وإنتوا مطمنين”!