في حضرة الإعلام والأمن.. تغيب النساء عن الصورة مجدداً
من درعا إلى حلب وحماة.. تكرار تغييب الإعلاميات يكشف نمطاً مؤسساتياً لا يمكن تجاهله
بينما يشكل حضور النساء في قطاع الإعلام السوري ركيزة أساسية من القوى العاملة، لا يزال تمثيلهن في المشهد العام، وخاصة في الفعاليات الرسمية وصنع القرار، متواضعاً إلى حد الإقصاء أحياناً، كما حدث في اللقاء الرسمي الذي جمع قيادات أمنية وإعلاميين محليين في درعا والذي غابت الصحفيات عنه تماماً.
سناك سوري-خاص
اللقاء جاء بحسب بيان محافظة درعا في إطار ما وصف بـ”تعزيز التنسيق بين الإعلام والمؤسسات الأمنية”، غير أن ما لم يرد في البيان الرسمي، وظهر جلياً في الصور المصاحبة، هو الغياب التام لأي مشاركة نسائية، سواء من الصحفيات أو من الكوادر الإعلامية العاملة في المحافظة.
هذا الغياب، الذي قد يبدو تفصيلاً عابراً في نظر البعض، يعكس واقعاً أكثر عمقاً يتعلق بحدود مشاركة النساء في الإعلام الرسمي، ودورهن الغائب عن مواقع التأثير واتخاذ القرار، رغم حضورهنّ العددي والمهني اللافت في ميادين الإنتاج الإعلامي المختلفة، فهل يعد هذا الغياب مجرد صدفة تنظيمية؟ أم أنه نتاج لبنية إعلامية لا تزال تدار بمنظور تقليدي ذكوري؟
وليس نموذج درعا الأول لغياب الصحفيات عن فعاليات محلية معنية بالإعلام، وسبق أن تكرر خلال اللقاء الذي جمع الوزير “حمزة المصطفى” مع إعلاميين في حلب بغياب النساء، الأمر الذي دفع إعلاميات حلب لاحقاً لإصدار بيان عبّرن فيه عن استنكارهن للتهميش والإقصاء الممنهج الذي تتعرض له الصحفيات في الساحة الإعلامية، لا سيما الصورة التي جمعت الوزير “المصطفى” وعدد من الإعلاميين في “حلب” والتي لم تضم أي صحفية ما يعكس هذا التهميش بوضوح وفق البيان.
تكرار هذا الإقصاء للنساء الإعلاميات والصحفيات لا يمكن النظر إليه كحالة فردية أو خلل تنظيمي عابر، بل كمؤشر مستمر على نهج مؤسساتي يتجاهل تمثيل النساء في مواقع النقاش والتأثير
كذلك حين عقد اتحاد الصحفيين السوريين اجتماعاً في محافظة حماة مؤخراً، جمع عضو المكتب التنفيذي وأمين الشؤون المهنية مع مجلس فرع الاتحاد، لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة، واستعراض التحديات، وانتهى اللقاء بتكريم أعضاء المجلس تقديراً لـ”جهودهم المتميزة” في “خدمة الاتحاد ومنتسبيه” خلال الفترة الماضية، من دون حضور أي صحفية امرأة بالاجتماع.
تكرار هذا الإقصاء للنساء الإعلاميات والصحفيات لا يمكن النظر إليه كحالة فردية أو خلل تنظيمي عابر، بل كمؤشر مستمر على نهج مؤسساتي يتجاهل تمثيل النساء في مواقع النقاش والتأثير، ويعكس اختلالاً في مفاهيم الشمول والتوازن الجندري داخل المنظومة الإعلامية الرسمية.
ولا يمكن القول إن قلة عدد النساء العاملات في الإعلام هي السبب،حيث تشير بيانات غير رسمية إلى أن النساء يشكّلن ما بين 40 إلى 60% من الكوادر العاملة في وزارة الإعلام السورية، لا سيما في مجالات التقديم والإعداد، لكن المشكلة تكمن في أن تمثيلهن بالمناصب القيادية لا يزال محدوداً، سواء على مستوى الوزارة، أو في مؤسسات الإعلام الرسمي كالصحف المركزية والمحلية ووكالة الأنباء السورية.
حتى على مستوى العمل النقابي تغيب النساء، فقد أظهر القرار رقم /53/ الصادر هذا العام عن رئاسة الحكومة المؤقتة، أن رئاسة اتحاد الصحفيين وجميع أعضاء مكتبه التنفيذي الحاليين هم من الرجال، بعدما كانت عضوية المكتب التنفيذي تضم ثلاث نساء مقابل ثمانية رجال في دورته السابقة.
تشير بيانات غير رسمية إلى أن النساء يشكّلن ما بين 40 إلى 60% من الكوادر العاملة في وزارة الإعلام السورية، لا سيما في مجالات التقديم والإعداد، لكن المشكلة تكمن في أن تمثيلهن بالمناصب القيادية لا يزال محدوداً
التمثيل الجندري في الإعلام: مسؤولية مشتركة
غياب التمثيل النسائي عن لقاء إعلامي محلي، لا يبدو مجرد تفصيل، بل يعكس تحديات أعمق تتعلق بكيفية تنظيم الفعاليات الرسمية، ومعايير اختيار المشاركين، ومدى إدراك القائمين على هذه الفعاليات لأهمية شمول النساء في الحضور وصنع القرار الإعلامي.
وترى نسويات أن معالجة هذا الخلل لا تتطلب فقط توسيع الدعوات للفعاليات أو تخصيص مقاعد للنساء، بل تبدأ من إرادة مؤسساتية جادة في الاعتراف بدور الإعلاميات كشريكات حقيقيات، قادرات على تقديم الرأي والموقف، والمساهمة في نقاشات تتعلق بالمهنة وأخلاقياتها وتحدياتها في الميدان.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الخطابات الرسمية أن “سوريا اليوم تشهد مساحة واسعة للعمل الصحفي الحر والمسؤول”، فإن ضمان هذه المساحة يظل مشروطاً بمدى قدرة النساء على التواجد، والمشاركة، والتأثير، لا فقط في الصفوف الخلفية، بل في قلب المشهد الإعلامي نفسه.







