الرئيسيةيوميات مواطن

في بلدي.. كل شيء قابل للرفع ما عدا جودة الحياة والخدمة

من نافذة تبحث عن إشارة تغطية.. إلى بلد يبحث فيه المواطن عن معنى لقيمته

من الشباك إلى الشرفة مروراً بنافذة الحمام الصغيرة، لم أترك مكاناً في منزلي إلا وحاولت أن أجد فيه فسحة من بقايا شبكة، تنجدني لأكمل دوامي الأونلاين، لكنه مجرد عبث جديد، قاد هرمون الكورتيزول في داخلي إلى بلوغ مستويات قياسية، لن ينفع منها سوى خروج سريع من المنزل.

سناك سوري-رحاب تامر

في الخارج حاولت التنفس قليلاً خارج جدران “المنزل القبو” الذي استأجرته وفقاً لميزانية سيدة عاملة أكثر من 12 ساعة يومياً! تذكرت أن هناك فاتورة موبايل لم أدفعها بعد، اغتنمت الفرصة وتوجهت إلى المحل القريب، ناولته رزمة من فئة الـ2000 ليرة، ودفعت فاتورة إنترنت بقيمة 222 ألف ليرة، دفعت أكثر من 20% من قيمة راتبي ثمن خدمة هربت منها بعد أن كادت تفتك بشرايين قلبي “الذي لم يعد صغيراً، لكنه أيضاً لم يعد يحتمل”!

أنا من سوريا، البلد الذي تُعامل فيه جيوبنا كأنها المورد الوحيد القابل للاستخراج، بينما يبقى تحسين الخدمات عنوان بيانات “الرفع” ومؤجل على الأرض ينتظر موسم تحقق الوعود ذلك الذي لم نعرفه يوماً.

الأمر لا ينطبق على فاتورة الاتصالات فحسب، يقول المنطق “حسن منتجك ثم ارفع ثمنه”، في بلادنا مانزال نعيش داخل دائرة “نفذ ثم اعترض”، حيث ترفع الفاتورة أولاً، ثم يبدأ النقاش الذي ينتهي بانتصار رمزي “لقد اعترضت”!

في قصة رفع أسعار الكهرباء حكاية مشابهة، لم ينتظر المسؤولون تحسن المعيشة وزيادة الرواتب وتدفق الاستثمارات تلك الأمور التي وعدونا بها، ببساطة رفعوا فاتورة الكهرباء 600 ضعف، ثم أخبرونا “قننوا”، لا بأس نحن معتادون على التقنين منذ زمن طويل، المشكلة فقط في أنها باتت متاحة.

أنا من سوريا، البلد الذي تُعامل فيه جيوبنا كأنها المورد الوحيد القابل للاستخراج، بينما يبقى تحسين الخدمات عنوان بيانات “الرفع”

داخل الفندق الذي أقمت فيه قبل فترة، كان هناك “ميني بار” بأسعار خرافية، سعر البسكوتة داخله أعلى بخمسة أضعاف عن سعرها بالخارج، لكن ماذا لو جعت ليلاً ولم تجد سواها؟ كم سيكون الأمر صعباً حينها؟ الأمر مشابه لفكرة أن الكهرباء تسري داخل شرايين منزلك لكنك تخشى استخدامها، هذا الوضع أكثر قسوة من التقنين القسري وعدم توفر الكهرباء..

صديقتي تلك التي تحصل على راتب بالدولار، لم تقف عند “بسكوتة من الميني بار”، لم تنظر إلى سعرها أساساً إلا حين أخبرتها بذلك، يبدو أن العدالة الاجتماعية غائبة تماماً عن البسكويت وعن الكهرباء أيضاً.

كلما حاولت تفسير هذه التفاصيل الصغيرة التي تحاصر يومي، أكتشف أنها ليست تفاصيل أصلاً، بل انعكاس لطريقة كاملة تدار بها الخدمات والناس في البلاد، طريقة تجعل الفرد يظن أن المشكلة “شخصية”، بينما هي، في الحقيقة، بنية متكررة يعيشها الجميع من دون استثناء.

من رفع ثمن الخبز إلى المحروقات من دون زيادة حقيقية على الراتب وتحسين الوضع المعيشي، إلى رفع سعر الكهرباء والإنترنت، كل هذا يشعرني بفقدان قيمة الفرد، قيمتي كمواطنة، كإنسانة، تحلم أن تعيش في بلد يحترم حتى حيوان شارد مرّ أمام حاوية قمامة فلم يعثر فيها حتى على بقايا يحبها!

زر الذهاب إلى الأعلى