الحزب الذي بدأ انتصاراته بالانتخابات.. عاد لاحقاً لاحتكار السلطة
سناك سوري _ محمد العمر
على طاولةٍ في مقهى “الرشيد” ( الهافانا حالياً ) في قلب العاصمة “دمشق” اجتمع بضع مثقفين سوريين في 7 نيسان 1947 و قرّروا تأسيس حزب !
كان على رأس المجتمعين مدرِّسان عائدان من “باريس” متشبّعان بالأفكار القومية و الاشتراكية هما “ميشيل عفلق” و “صلاح الدين البيطار” اللذان أسّسا في ذاك الاجتماع حزب “البعث العربي” .
آمن المؤسسون الأوائل بفكرة “البعث” التي قصدوا بها نهضة و انبعاث الأمة العربية و أضافوا إليها لاحقاً فكرة الاشتراكية بعد انضمام حزبهم الناشئ إلى “حزب العربي الاشتراكي” مطلع الخمسينيات ليعلن للمرة الأولى اسم “حزب البعث العربي الاشتراكي” .
الحزب الداعي إلى القومية العربية انطلق من “سوريا” و استطاع تأسيس مجموعات أخرى في عددٍ من البلدان العربية الأخرى لكن النجاح في “سوريا” كان سريعاً حيث وصل الحزب إلى البرلمان السوري في انتخابات 1954 و نجح بكسب 22 مقعداً و إيصال وزيرين بعثيين إلى الحكومة أحدهما “البيطار” .
مع انعقاد الوحدة السورية مع “مصر” حلَّ “البعث” نفسه تطبيقاً لقرار الرئيس “جمال عبد الناصر” لكنه عاد لجمع أنصاره بعد الانفصال عام 1961 ، و على عكس المتوقع فإن “البعث” وصل للسلطة في “العراق” أولاً في شباط 1963 بقيادة “أحمد حسن البكر”، وهذا الوصول شجع البعث السوري على التقدم نحو السلطة في سوريا.
بعدها بشهر تمكّن “البعث” من السيطرة على السلطة في “سوريا” في ما يعرف باسم “ثورة الثامن من آذار” و شهد العام 1966 انقلاباً داخل “البعث” تمثّل بما يعرف باسم “حركة 22 شباط” أدى إلى الإطاحة بالمؤسسين الأوائل فيما شهد عام 1970 إنهاءً لنفوذ الشباطيين عن طريق “حركة تصحيحية” قادها الرئيس السوري الراحل “حافظ الأسد”.
يحسب للبعث أنه صنع استقراراً في سوريا وعمل على بناء الدولة في مجالات عدة، ويصف البعثيون الرئيس الراحل حافظ الأسد بأنه “المؤسس للدولة السورية”، كما يفتخر البعث بأنه أبعد الصراعات الحزبية عن مؤسسة الجيش التي عانت كثيراً قبل السبعينات من الصراعات الحزبية داخل الجيش والتي تحولت إلى انقلابات واشتباكات مسلحة بين تشكيلات عسكرية.
آمن “البعث” الأول بالقومية العربية و وحدة العرب كأمّة و نظر إلى الحرية من بوابة التحرر من الاستعمار قبل مرحلة التحرر السياسي كما ترى أدبيات الحزب ، أمّا الاشتراكية البعثية فكانت محاولة لإخراج تجربة عربية للاشتراكية تختلف عن النموذج السوفييتي كما سماها المؤتمر السادس للحزب “الطريق العربي نحو الاشتراكية”
اقرأ أيضاً :البعث يعقد اجتماعاً استثنائياً غداً… ومؤيدوه يدعونه للعودة إلى الجماهير
دعا منظّرو الحزب الأوائل و واضعو أفكاره و مبادئه إلى مزج العروبة و الإسلام في نهضة الأمة و لم يكن “البعث” حزباً مؤمناً بعلمانية شاملة على الرغم من رفضه لنموذج الحركات الدينية التي اصطدم بها لاحقاً كـ “الإخوان المسلمين” .
استمرّ “البعث” في احتكار السلطة السياسية منذ 1963 و على الرغم من أنّ الحزب التحرري وصل في بداية نشأته إلى مقاعد النيابة بالانتخابات فإنه منع لاحقاً الأحزاب غير المنضوية تحت قيادته من المشاركة في الحياة السياسية و رسّخ سيطرته على مفاصل الحكم بفرض قيادته للدولة عبر المادة الثامنة من الدستور السابق للجمهورية العربية السورية.
لم يُنهِ إلغاء المادة الثامنة من دستور 2012 سيطرة “البعث” على السلطة و طريقة تعاطي البعثيين مع الآخرين بوصفهم أهل الحكم ، ففروع الحزب الذي تحوّل بموجب الدستور إلى حزب كغيره من الأحزاب السورية لا زالت صاحبة نفوذ في العديد من المؤسسات و دوائر الدولة .
غيّرت السنوات الطويلة في الحكم من طريقة تطبيق مبادئ الحزب الأصلية، و يعترف الكثير من البعثيين منذ زمن أن الحزب مليءٌ بالانتهازيين و المتسلقين الطامحين لاستغلال الانتماء الحزبي من أجل الوصول إلى المناصب حتى أنه أصبح متداولاً بين الناس تعبيري “حزبي” عن الانتهازيين و”بعثي” عن أصحاب الأيادي النظيفة، وقد شهد الحزب عام 2004 محاولة إصلاحية و مراجعة نقدية لأفكار و مبادئ فيما عرف باسم “لجنة تطوير البعث”.
مؤخراً أعلن “البعث” في “سوريا” إلغاء “القيادة القومية” و تبديل مسمّى “الأمين القطري” إلى اسم “الأمين العام” في إشارة إلى تراجع “البعث” قليلاً عن أفكاره القومية الداعية إلى وحدة عربية خاصة بعد الموقف الذي اتخذته الكثير من الدول العربية تجاه الأزمة السورية.
بعد 72 عاماً من تأسيسه لا يمكن إنكار الدور التاريخي لـ “البعث” في “سوريا” إلا أن تجربة الحزب في حكم البلاد لأكثر من نصف قرنٍ تتطلّب الكثير من المراجعة و النقد إن أراد “البعث” أن يلعب دوراً تشاركياً يتصالح فيه مع فكرة تعددية الحياة السياسية في المرحلة المقبلة من تاريخ “سوريا” .
اقرأ أيضاً :للمرة الأولى منذ عقود..البعث يطرح مفهوم العروبة “للنقاش”