فقدٌ واحتراق: قصص من رماد الساحل السوري
أمهات ثكالى، منازل محترقة وناس بلا مأوى.. شهادات حيّة من قلب المأساة في صنوبر جبلة والشامية وبسنادا

لا يمكن لـ”مانيا” (اسم مستعار) في نهاية عقدها الرابع من العمر، أن تعيش لحظات قسوة وألم أكثر من تلك التي عاشتها، وهي تنظر إلى ابنها الشاب وزوجها وهما يتلقّيان الرصاص ويلفظان أنفاسهما الأخيرة أمام عينيها صباح الجمعة 7 آذار في قرية “صنوبر جبلة”، لكنها تستعد للحظات قاسية أخرى قادمة أيضاً فمنزلها احترق بالكامل ولم تعد تمتلك مأوى.
سناك سوري-خاص
تقيم “مانيا” اليوم لدى عائلة ابنتها في قرية بعيدة نسبياً عن قريتها، في حديث غير رسمي مع مراسلة سناك سوري، قالت “مانيا”: «يعني هلا شو؟ صرت أم وزوجة مفجوعة وبلا بيت أو مأوى وين بروح بحالي؟».
تقف الأم قليلاً، تنهمر دموعها بكثافة وتتابع حديثها غير الرسمي بلهجة انفعالية وكأنها تدخل حالة من الهلع: «بعرف مو لازم فكر هيك، أنا أم انقتل ابنها روحها قدامها، بس إجباري بدي فكر هيك إجباري بدي اسأل يا ريتني متت معهم يا ريتن قتلوني معن وماتركوني يا ريتن».
تفتح مأساة “مانيا” الباب على مئات المآسي المشابهة، فالعديد من المدنيين في قرى المختارية والصنوبر وبانياس والشامية والزوبار وبرابشبو وغيرها من المناطق التي شهدت أحداثاً دموية، حرقت المنازل فيها وتم تدمير أو سرقة محتوياتها، واليوم بات أصحابها بلا مأوى مع جراح الفقد التي تلازمهم، ودون أي تطمينات سواء نفسية أو حتى مادية بمساعدتهم على ترميم ممتلكاتهم.
نفضوا المنزل!
في حي “بسنادا” بمدينة “اللاذقية”، كان “ماهر” موظف مدني في منزله مع عائلته ليلة الجمعة 7 آذار، قبل أن يشاهدهم ويسمع تكبيراتهم في الشارع، فيقوم بالهروب مع عائلته من باب خلفي تجاوزه إلى الحارة المقابلة هرباً في أزقة الحي الشعبي المتداخلة ما ساعده على الاحتماء.
حين عاد إلى منزله لاحقاً وجده خالياً حتى من المؤونة، كل شيء فيه مسروق من مونة زيت الزيتون إلى الزيتون وحتى أثاث منزله بالكامل، إضافة إلى قطع الأنتيكا التي عاش عمره وهو يجمع بها كجزء من هواية وشغف تجاهها.
اليوم لم يعد “ماهر” يمتلك سوى جدران يحمد الله على أنها لم تهدم أو تحرق، وهو بحاجة إلى شراء فرش منزل جديد بالكامل، وهو ما لا يستطيع تحمل كلفته، ففضل الانتقال مرغماً إلى منزل عديله ريثما يجد حلاً لأزمته.
بدون معيل
عشرات الأسر بقيت بدون معيل بعد وفاة الأب، كحال عائلة “العرابي” في قرية “الشامية” بريف اللاذقية، حيث قتل 3 أخوة من العائلة، أحدهم أستاذ رياضيات وآخر يعمل في محل لتصليح الأدوات الزراعية والثالث في مطعم لبيع الفلافل والحمص، وتبقت عائلاتهم وأطفالهم من دون معيل.
الضحية الأولى لديه 3 أطفال أكبرهم 7 سنوات وأصغرهم في الروضة، والضحية الثانية لديه 3 أطفال الأول 11 عاماً والثاني 9 سنوات والثالث في الروضة، والضحية الثالثة ولدان بعمر 10 و8 سنوات، اثنين من الضحايا زوجاتهن غير موظفات فيما زوجة الضحية الثالثة تعمل كمعلمة مدرسة.
يقول مصدر مقرب من العائلة، إن العوائل الثلاث بدون أي معيل أو مصدر رزق حالياً، ويضيف لـ”سناك سوري”، أنهم لم يحصلوا على أي مساعدات أو تعويضات بطريقة تضمن لهم تأمين متطلبات الحياة المعيشية على الأقل.
المصدر ذاته تعرض لضرر كبير ويقدر خسارته بأنها فوق المليار ليرة سورية، تتضمن محلاً تجارياً ومستودعاً للبضائع إضافة لحريق منزله وسرقة سيارته، ويضيف لـ”سناك سوري”، أنه كان يشاهدهم صبيحة الجمعة 7 آذار كيف سرقوا معظم موجودات محله من الحبوب والمعلبات وسائر الأنواع الغذائية، ثم بدأوا بإطلاق القنابل عليه وعلى منزله، ما أدى لاحتراق كل شيء لدرجة أنه حتى السيراميك والبلاط قد أزيل من مكانه.
يذكر أن حالة الخوف لم تنته بالكامل من الساحل السوري بعد وسكانه لم يحصلوا لا على مساعدات أو حتى تطمينات حكومية، في وقت يعاني معظم أهالي القرى المنكوبة من صعوبة بالحصول على المتطلبات المعيشية، وعلى الرغم من حملات الإغاثة التي نظمها سوريون من خارج الساحل إلا أن الاحتياج مايزال أكبر بكثير.