أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

فصل الموظفين من عملهم.. مقاربة قانونية

إجراء غير مسبوق ودون سندٍ قانوني يشمل آلاف الموظفين

في أعقاب سقوط النظام السابق وتكليف حكومة البشير بتسيير الأعمال، استدعى مسؤول التنمية الإدارية الجديد في إحدى الوزارات مدير التنمية الإدارية في شركة إنتاجية لمناقشة حجم فائض العاملين الذي يجب فصله من الوظيفة العامة، فأجابه الأخير ألّا فائض في الشركة بدليل أن الهيكل الوظيفي مطابق للملاك العددي والعدد الفعلي, مما سبب صدمة غير متوقعة للمسؤول الجديد الذي اتضح أنه لا يوجد لديه الخبرة القانونية والوظيفية اللازمة، وطلب شرحاً لمعاني هذه المصطلحات.

سناك سوري _ فراس سلمان

لكن موضوع الفصل السريع لفائض العمالة في دوائر الدولة والقطاع العام لم يتم التعامل معه فقط إجرائياً بين جدران الوزارات والمؤسسات، فقد باشرت حكومة تسيير الأعمال أعمالها بفتح هذا الموضوع على مصراعيه، حيث جرى ضخ أرقام عن حجم الفائض الهائل في المؤسسات والدوائر الوظيفية عن طريق نشطاء وسائل التواصل الذين يشكلون مصدر المعلومات شبه الوحيد في ظل غياب القنوات الرسمية شبه الكلي لهذه الحكومة.

فعلى سبيل المثال تم تناقل أرقام عن فائض للعمالة هائل في المشفى الوطني بطرطوس، حيث تداول نشطاء رقم 7000 موظف مسجل في المشفى, وفائض يقدر بـ80% على صعيد موظفي الصحة في المحافظة.

يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء، صرف العامل من الخدمة، من دون ذكر الأسباب التي دعت لهذا الصرف المادة 137 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة

بينما نفى مدير المشفى الوطني “اسكندر عمار” خلال في تصريح لـ سناك سوري صحة هذه المعلومات وقال أن عدد الأسرّة الفعلي 562 سرير وعدد العاملين 2224 عاملاً وهو ضمن المعايير المقبولة عالمياً.

إلا أن ضخ هذه المعلومات وغيرها استمر على صفحات النشطاء مثل تصريح نسب لوزير المالية يتضمن أعداد الذين يحصلون على عدة رواتب من جهات حكومية مختلفة وعن النية لشطب أسماء 300 ألف موظف يتقاضون رواتبهم دون عمل وفق حديثه.

إجازة لآلاف الموظفين دون مرجع قانوني

أما على أرض الواقع فقد تم اتخاذ اجراءات فعلية قامت بها جهات رسمية بإصدار قوائم لفائض العاملين الذين سيتم مبدئياً إعطاؤهم إجازات لمدة ثلاثة أشهر وعددهم بالآلاف ويتبعون لمختلف الوزارات ومؤسساتها، مثل وزارة الإعلام والصحة والكهرباء والنقل…..الخ.

وهو إجراء غير مسبوق في سوريا ولا يستند إلى نص قانوني، علماً أنه تم تداول نفي حكومي لوجود عمليات فصل بحق أي موظف عامل ضمن الدوائر الحكومية، حيث أكد الخبر المتداول أن القرار يقضي بمنح إجازة لبعض العاملين لمدة 3 شهور مدفوعة الأجر ، لحين ترتيب ملفات الدوائر وإعادة التقييم.

ينظم قانون الأساسي للعاملين (القانون رقم 50 لعام 2004) الأوضاع القانونية للعاملين مثل أصول التعيين والدرجات والتثبيت، كما يتضمن فقرات خاصة بالتسريح مثل حالات عدم الترفيع في التقييم الدوري مرتين متتاليتين أو ثلاث مرات خلال خدمته فراس سلمان

 

بالمحصلة تسببت هذه الاجراءات بمظاهرات في حلب ودرعا كما في طرطوس وعدة أماكن أخرى للعاملين المتضررين, الأمر الذي فتح الباب لبروز تحذيرات المختصين من الآثار الاجتماعية والسياسية لمثل هذه الخطوات المتسرعة, خصوصاً في ظل وضع اقتصادي منهار ومستوى أجور ضئيل جداً لا يقبله مواطن في دولة أخرى حتى كمعونة.

فصل الموظفين بين القانون والواقع

ينظم قانون الأساسي للعاملين (القانون رقم 50 لعام 2004) الأوضاع القانونية للعاملين مثل أصول التعيين والدرجات والتثبيت، كما يتضمن فقرات خاصة بالتسريح مثل حالات عدم الترفيع في التقييم الدوري مرتين متتاليتين أو ثلاث مرات خلال خدمته، حيث يمكن للعامل الاعتراض على عدم ترفيعه أمام لجنة مختصة، كما تضمن القانون العقوبات المسلكية عقوبة التسريح التأديبي والتي تمنعه من التقدم لوظيفة عامة لمدة سنتين من تسريحه, وعقوبة الطرد التي تمنع من إعادته للوظيفة العامة مالم يتم إعادة اعتباره قضائياً. وترتبط هذه العقوبات الشديدة بتقارير الجهات الرقابية وأحكام القضاء .

لكن القانون نفسه كان ينطوي على مادة مجحفة جعلها النظام المخلوع سيفاً مسلطاً على حقوق موظفيه، وهي المادة 137 التي تنص على أنه «يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء، صرف العامل من الخدمة، من دون ذكر الأسباب التي دعت لهذا الصرف».

وإن قرارات الصرف من الخدمة، وفقًا لأحكام هذه المادة، غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة، أو الطعن أمام أي جهة أو مرجع، وترد الدعاوى التي تقام ضد هذا النوع من القرارات أيًا كان سببها.

وقد استخدم النظام البائد الذي لم يتصرف يومًا كنظام دولة، هذه المادة لتسريح آلاف من العمال نتيجة تقارير أمنية أو التخلف عن الاحتياط أو الاعتقال……الخ

أي أنه لم يراعِ مسؤولياته المفترضة في الحفاظ على أمن المجتمع ومنع التعدي على الحقوق، لا بل أنه أول من خرق الحقوق، ولم يصن آدمية البشر، ولم يقم وزنًا لحقوق العاملين الموصوفة بكافة القوانين والمعايير المعمول بها دولياً.

موضوع الوظيفة العامة في “سوريا” شائك ومعقّد حيث تعاني الوظيفة العامة من إشكاليات بحاجة لبنية تشريعية جديدة تبدأ بدراسة الواقع بكافة أبعاده سواءً المتعلق بحجم ودور المؤسسات الحكومية نفسها أو لجهة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل حل مطروح

وعلى الصعيد القانوني لابد أن نشير إلى غياب كامل للنقابات في الدفاع عن أعضائها الموظفين الذين انتهكت أبسط حقوقهم أيام النظام المخلوع، والأعجب هو استغناء هذه النقابات عن وجودها القانوني بعد سقوط النظام.

المقاربة القانونية لمشكلة فائض العمالة

بالحديث عن القانون لابد من الإشارة إلى أنه وبرغم صلاحية حكومة تسيير الأعمال في موضوع عقود الموظفين المؤقتين نتيجة مركزهم القانوني المؤقت، إلا أن موضوع تقليص حجم العمالة وإلغاء مراكز العمل وغيرها من القرارات التي صرحت الحكومة حول نيتها القيام بها، هي مواضيع ينظمها القانون، أي التشريع وليس قرارات السلطة التنفيذية حتى الشرعية، فما بالك بحكومة مؤقته ينحصر دورها في الإدارة ولا يمتد إلى القرار.

ومن الجدير ذكره أن موضوع الوظيفة العامة في “سوريا” شائك ومعقّد حيث تعاني الوظيفة العامة من إشكاليات بحاجة لبنية تشريعية جديدة تبدأ بدراسة الواقع بكافة أبعاده سواءً المتعلق بحجم ودور المؤسسات الحكومية نفسها أو لجهة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل حل مطروح، ومن ثم يمكن العمل على تشريع ما يلزم من قوانين، وأيضاً لا بدَّ من تشكيل بنية تنظيمية تشرف على تنفيذ القوانين مثل إنشاء وزارة للخدمة العامة أو هيئة مختصة أو مجلس…..إلخ يتبع لرئاسة مجلس الوزراء.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى