رأي وتحليل

فرصة الدراما لتغيير الواقع _ شاهر جوهر

4 مسلسلات تضاهي مئات الكتب حول واقع سوريا

باتت الدراما اليوم أكثر صديق للمرء، فهي أقرب إلى واقعه وبيئته من أي وسيلة تأثير أخرى، لارتباطها بحياتنا بشكل كبير ولما لها من دور في الإجابة على ثلاثة أسئلة تهمنا “أين نعيش؟، ومع من؟، وكيف نعيش؟” لأنها تبغي من وراء ذلك أن ترسم طريقة عيشها الكريم.

سناك سوري – شاهر جوهر

فالمساحة الضئيلة التي باتت تعطى للدراما العربية في السنوات الأخيرة والتي تمثلت بهامش صغير من الحرية لتمارس دورها في تثقيف المجتمع وتنويره خلقت قدرة على الإجابة عن تلك الأسئلة، فماذا لو مُنحت الدراما استقلاليتها وإطلاقها بدون قيود أو شروط؟ سيكون بالإمكان لها أن تقلب الواقع تماماً.

لهذا بإمكان الدراما أن تلخص حالنا وواقعنا الممزوج بالتناقضات من الأوجاع إلى الحب إلى المرح إلى الظلم وحتى الضغينة دون فرط التشبيه البليغ والمعقد أو الالتفاف والدوران حول تلك التناقضات، إنها تخبرنا بكل ذلك ببساطة وتشير بإصبعها جهاراً إلى مكامن الخلل من حولنا، كما أن الدراما اليوم تؤرخ واقعنا دون أن تثير القطيعة بين أبناء المجتمع كما يفعل المؤرخون والباحثون الاجتماعيون، حيث يسهل إقناع المتفرج وتنويره بما يجري من حوله بغض النظر عن نوع ثقافته.

مقالات ذات صلة

فأنا كمتفرج عربي عادي بتُّ أعرف ما يشغل أي مجتمع عربي دون العودة إلى مراكز الدراسات والأبحاث أو للتقارير الحكومية أو للصحف والنشرات الإخبارية، يكفيني أن ألقي نظرة سريعة على دراما ذاك المجتمع حتى أمتلك معرفة لو عابرة بحاله وما هي أوجاعه.

فمثلاً المتابع لمسلسلات “لعنة الطين”، “غزلان في غابة الذئاب”، “الولادة من الخاصرة” بأجزائه، و”كسر عظم”، هذه المسلسلات الأربعة تضاهي عشرات وربما بلا مبالغة مئات الكتب التي أرّخت و تحدثت عن الواقع الاجتماعي لـ”سوريا” منذ ثمانينات القرن الماضي حتى اليوم، فهي تلخص الحالة المجتمعية بكل تعقيداتها ببساطة السرد ولطف الحبكة والتشويق، دون أن تثير في النفس التشنج والعصبية والاقتتال، بل على العكس مما يطرحه الأكاديميون فقد عززت في داخلنا حب هذه البلاد المأكولة رغم تناولها قضايا الفساد والتمزق المجتمعي، وما وصل إليه المجتمع من فقر وهجرة للشباب والخبرات وتغول فئات مصلحية على القانون وكذلك الأزمات الاقتصادية التي أدت إلى انقراض الطبقة الوسطى في البلاد.

اقرأ أيضاً:“صدمة موسيقية” أم “موسيقى بديلة”؟ – شاهر جوهر

أما المتابع للدراما الخليجية فيتلمس من فوره ماهية مشكلات المجتمع الخليجي، ولو تسنى لي إعادة النظر في تلك المشاكل لقلت من فوري إن أعظم مشاكلهم هي المرأة والقوانين التي ينبغي أن تنصفها، إذ لاتزال تقاتل الدراما هناك في محاور شبه ثابتة حول قضية تعدد الزوجات مثلاً خصوصاً حين يكون كاتب المسلسل امرأة، وكذلك القوانين التي تحكم الميراث، والتنافس التجاري.

وهو أمر قد لا نجده في الدراما السورية والمصرية، ففي “مصر” تطفو قضايا البطالة والبلطجة ودور المؤسسة العسكرية والشرطة فوق كل اعتبار، في حين هناك صراع قديم جديد في الدراما لتعديل وتغيير القوانين الاجتماعية في البلاد، والجيد في “مصر” هو مرونة التشريع للنقاش حول استمرارية القوانين على خلاف بعض البلدان العربية.

فيلخص عملٌ كمسلسل “فاتن أمل حربي” الذي يعرض الآن للكاتب “إبراهيم عيسى” مقاربة حول الواقع المر والأليم الذي تعيشه غالبية النسوة المطلقات وأولادهن في “مصر” ولربما سيفتح هذا المسلسل الباب على مصراعيه لتعديل قانون الأحوال الشخصية في “مصر”، فهي ليست المرة الأولى التي تلعب فيها الدراما والسينما في “مصر” دوراً في تعديل أو إلغاء قوانين، فأفلام مثل “جعلوني مجرماً” و”أريد حلاً” و”كلمة شرف” كانت بمثابة ثورة على القوانين المصرية التي تم تعديلها لاحقاً رغم حصول جدل ديني حولها.

في “سوريا” وبلدان أخرى لايزال الأمر يحتاج إلى وقت بمثل تلك القضايا، لكن من المرجح أن تنحو الدراما العربية ومنها السورية في الأيام القادمة لطرح قضايا إعادة النظر بالقوانين المدنية في البلاد، فإن كانت الدراما العربية قد فشلت في إحراز أي خرق اقتصادي ومعيشي في حياة الفقراء فإنها اليوم قادرة على تهيئة القاعدة الاجتماعية لترتيب الحالة المدنية للسنوات القادمة بإعادة صياغة قوانين اجتماعية تراها فئات اجتماعية غير مناسبة.

اقرأ أيضاً:هناك انفراجة وسنصبح من الشعوب المحترمة – شاهر جوهر

زر الذهاب إلى الأعلى