فجوة واسعة بين الحماس والمشاركة السياسية في سوريا خلال المرحلة الانتقالية
من غموض موقف السلطة إلى المحاذير الأمنية .. لماذا لم ينخرط السوريون في التنظيمات السياسية؟

شكّلت لحظة سقوط نظام “بشار الأسد” في 8 كانون الأول 2024 محطة فارقة في تاريخ “سوريا” أعادت للشارع حضور السياسة في قائمة أولوياته وأحيت اهتمامه بالشأن العام.
سناك سوري _ محمد العمر
وحدة الأبحاث في سناك سوري أجرت بحثاً عن “أزمة التمثيل السياسي خلال المرحلة الانتقالية، الفجوة التمثيلية للنساء والشباب”، استطلعت خلاله آراء 768 شخصاً من النساء والشباب، حيث أظهر أن 82.1% من المشاركين والمشاركات مهتمون بالقضايا السياسية لكن هذا الاهتمام لا ينعكس على الانخراط في تنظيمات سياسية على مختلف أشكالها، وهذا ما توضحه نتائج الاستبيان، فإذا ما أخذنا عينة النساء الناشطات سياسياً اللواتي يمثلن 20% من عينة الاستبيان الكمي فإن 8.6 % منهن انتسبن لتنظيمات سياسية ومعظمها عبارة عن منظمات نسوية تتبنى المشاركة السياسية للنساء. بينما تنخفض النسبة في العينة العشوائية إلى 4.3%.
وينسحب الأمر على شريحة الشباب أيضاً (من الجنسين) فإن 2.3% فقط من العينة العشوائية انتسبوا لتنظيمات سياسية على مختلف أشكالها، بينما ترتفع النسبة إلى 10.7% عن عينة الناشطات/ين السياسيات/ين الشباب. ولهذا الواقع أسباب وعوامل مرتبطة ببنية وفعالية القوى السياسية والسياق التاريخي وطريقة التغيير التي شهدتها البلاد.
هذه المعطيات توضح أن حماس السوريين/ات للسياسة وجد فرصته للظهور عقب سقوط النظام والأمل بسقوف مرتفعة من الحرية للمشاركة في صنع القرار وتقرير المصير، والشعور بالمواطنة والمساهمة في الحكم وإدارة الدولة كحقٍّ حرمه نظام “الأسد” لعقود.
بعد الشارع عن تقرير مسار الأحداث
إلا أن مجريات الأحداث لم تستثمر هذا الحماس في إشراك المواطنين بصناعة القرار ودعم مستقبل البلاد عبر المساهمة في اختيار سلطتهم والانخراط فيها، إذ لم يختلف وصول الإدارة الجديدة إلى الحكم عن فترة الانقلابات العسكرية في خمسينيات القرن الماضي في “سوريا”، حيث دخلت “هيئة تحرير الشام” بشكل شبه بديهي إلى قصر الشعب متسلّحةً بقيادتها لعملية “ردع العدوان” التي كانت آخر معركة في وجه النظام السابق أدت للإطاحة به وهروب رئيسه إلى “موسكو”.
سارع قائد الهيئة “أحمد الشرع” إلى إطلاق “مؤتمر النصر” الذي شارك فيه 14 فصيلاً عسكرياً قرروا تسمية “الشرع” رئيساً للدولة خلال المرحلة الانتقالية التي اختار لها أن تمتد على 5 سنوات لحين إقرار دستور دائم للبلاد، قبل أن يتم إقرار “الإعلان الدستوري” كنصٍّ ينظّم مجريات الأمور في البلاد خلال المرحلة الانتقالية، إلا أن كل ذلك تمّ بعيداً عن الشارع ولم يتم الأخذ برأي المواطنين/ات بمخرجاته.
حوار وطني بلا أحزاب
من جانب آخر، أعلنت السلطة الجديدة إطلاق مؤتمر للحوار الوطني، كخطوة تعبّر عن اهتمامها بإشراك المواطنين في صياغة مستقبل بلادهم، إلا أن طريقة إدارة الحوار أظهرت أنه كان شكلياً ومفرّغاً من محتواه وهدفه، إذ أصرّت السلطة على دعوة المشاركين بصفتهم الشخصية فقط دون الإتيان على ذكر موقعهم السياسي سواءً في حزبٍ أو تجمّع أو تيار، وأقصت بذلك المكونات السياسية سواءً كانت أحزاباً ناشئة من قبل أو تجمعات تكوّنت بعد سقوط النظام، كما أصدرت قراراً بحلّ الكيانات السياسية التي تشكّلت خلال سنوات الثورة وفي مقدمتها “الائتلاف الوطني” الذي كان جامعاً للعديد من التشكيلات السياسية المعارضة لنظام “الأسد”، وكان حلّه بهذه الطريقة برأي فاعلين سياسيين التقاهم سناك سوري مؤشراً سلبياً تجاه إحياء الحياة السياسية والحزبية التي تحتاجها سوريا بعد عقود القمع التي قتلت الفاعلية العامة في القرار السياسي.

كما بدا قرار تشكيل مجلس الشعب القادم مخيباً للآمال، حيث تقرر أن يعيّن رئيس الدولة ثلث الأعضاء مباشرةً على أن تختار اللجنة العليا التي عيّنها الرئيس أيضاً تشكيل لجان فرعية تختار هيئات ناخبة تتولّى مهمة الترشّح والانتخاب معاً، دون أي دور مباشر للمواطنين في اختيار ممثليهم.
وأدى عدم الدفع نحو تفعيل الدور السياسي للمواطنين وإحياء الحياة الحزبية، إلى انكفاء المجتمع عن الانخراط في التنظيمات السياسية، حيث أظهر البحث الذي أجراه سناك سوري أن نسبة الشباب المنتسبين لتنظيمات سياسية بعد 8 كانون الأول لم تتجاوز 2.3% في العينة العشوائية و10.7% من الناشطين/ات سياسياً، كما أن نسبة النساء المنتسبات لتنظيمات سياسية بعد سقوط النظام لم تتجاوز كذلك 4.3% في العينة العشوائية و8.6% من الناشطات سياسياً، وهي نسب ضعيفة جداً مقارنةً بحجم الاهتمام بالقضايا السياسية الذي يصل إلى 82.1% من المشاركين، والذي لم ينعكس على المشاركة الفعلية عبر الانضمام لمكونات سياسية، ما يكشف عن نوعٍ من الإحباط وخيبة الأمل بفاعلية الأحزاب، فضلاً عن غموض موقف السلطة تجاه الحريات السياسية والعمل الحزبي، إذ لم يصدر عنها أي قرار واضح ينصّ على فتح المجال أمام التشكيلات السياسية التي كانت المشاركة فيها تهمة في عهد نظام “الأسد”.
الحرية السياسية بعد سقوط نظام الأسد
تشير نتائج الاستبيان إلى أن الصورة لا تزال ضبابية بالنسبة لغالبية المستطلَعين حيال حرية العمل السياسي، إذ تُظهر النتائج أن أكثر من نصف النساء (60%) والشباب (52.5%) يعتبرون الوضع السياسي غير واضح، مقابل نسب ضئيلة فقط ترى أن العمل السياسي بات حرًا بالكامل.
حالة الترقّب والحذر هذه جاءت كنتيجة طبيعية للغموض والالتباس الناشئ خلال المرحلة الانتقالية، إلى جانب عوامل أخرى عدة مثل المحاذير الأمنية والخوف، وعدم القناعة ببرامج الأحزاب والتيارات الموجودة وحاجة كثيرين للتدريب والتأهيل السياسي.
وأوصى البحث في الختام بإشراك الأحزاب في اتخاذ القرار لا عبر لجان رمزية، ومراجعة البنية الداخلية للأحزاب لضمان مشاركة النساء والشباب في مواقع صنع القرار وتداول القيادة ودمج النساء والشباب في المواقع المؤثرة، وعدم حل الكيانات السياسية والتمثيلية التي ولدت خلال سنوات الثورة والحفاظ عليها كأجسام تمثيلية بديلة تعبّر عن المصالح والتنوع ولا تحل محل مؤسسات الدولة.
لقراءة البحث كاملاً
نسخة تفاعلية كاملة حسب العناوين والأقسام هنا
نسخة طويلة كاملة هنا