عن وفاة مدير المدرسة بحماة.. لماذا باتت المدرسة مكروهة؟
الاكتفاء بنشر صور القاتل وأخذ الصور مع أهل الفقيد لن تحل المشكلة
توفي الأستاذ “عبد العزيز القاسم”، مدير مدرسة “عبد المعين قطرميز” في محافظة حماة جراء الاعتداء عليه ضمن حرم المدرسة. وحسب مديرية التربية “الجريمة جنائية بحتة وليس لها أي بعد تربوي”. في العموم هو اعتداء على موظف أثناء تأدية واجبه ضمن أوقات دوامه الرسمي، ولكن هذا الموظف هو مدرس ومدير مدرسة. من المؤكد أن الجميع متعاطفون مع هذه الحالة و يطالبون بالقصاص، لكن هل ستنتهي تلك الأفعال بمجرد إلقاء القبض على الفاعل؟.
سناك سوري-باسم نعمان
القضية أكبر من ذلك وبكثير، هي قضية وعي وثقافة مجتمعية نحتاج لتربية أجيال لنصل إليها، فاستسهال الاعتداء على مدرس على الرغم من وجود قوانين لم يمنع الاعتداء. وهنا يستذكر البعض مادة “التربية العسكرية” أو ” الفتوة” باعتبارها كانت إحدى وسائل ضبط سلوك الطلاب. والتي ألغيت منذ حوالي العشرين عاماً، واستبدلت بـ”الأنشطة اللاصفية” إضافة لإحداث الإرشاد النفسي في المدارس. فلا الأنشطة اللاصفية نجحت ولا الإرشاد النفسي، والمفارقة أن أساتذة التربية العسكرية هم نفسهم تولوا مسؤولية الأنشطة وأغلبهم أحيل إلى التقاعد بحكم بلوغه سن التقاعد، أما أساتذة الإرشاد على الرغم من تأهيلهم أكاديمياً إلا أن قصص النجاح لديهم لا تكاد تذكر، فأين الحلقة المفقودة؟.
الحرب ومفرزاتها، تنامي العنف، غياب مفاهيم السلام والحوار ومفرداته، أسباب تفعل فعلها، لكنها ليست المسؤول الوحيد، ما نحتاجه هو الوعي وثقافة مجتمعية تقول أن هذا المدرس هو أب وأخ وصديق. هو يتعامل مع 40 طالب وطالبة بالحد الأدنى في 19 شعبة موزعة على مدار الأسبوع، “وهو نصاب المدرس خلال أسبوع واحد”، ومطلوب منه تفقد الطلاب اسمياً وتصحيح الوظائف واختبار الطلاب واستذكار الدرس السابق والبدء بدرس جديد وكل ذلك بـ 45 دقيقة، وبوجود طلاب من مستويات مختلفة. مطلوب منه أن يستوعب الجميع ويبقى هادئاً حتى ولو كان لديه 7 حصص، وممنوع عليه الغلط، وإذا ارتكب مخالفة وأخطأ، يصبح المسؤول الأول عن أوجاع وأمراض المجتمع.
لا يقصد بالحديث هنا منح المدرس حصانة عن المخالفات أو أن يصبح دراكون أو أن يكون ملاكما، فالمدرس هو إنسان يخطىء ويصيب، موقعه ومكانته يضعانه نموذج يحتذى من طلابه، وإذا فشل في ذلك فعلينا ما نستحق.
المدرس هو من يُعِدّ الطبيب والمهندس والميكانيكي والحلاق والشرطي والسائق والمحامي، هو أساس إعداد الأجيال، واستسهال الاعتداء وتكرار قصص الاعتداء على الأساتذة يعطي صورة عن المكانة التي وصل لها المدرس في الوعي المجتمعي.
علينا أن نعترف بوجود المرض أولاً ثم معالجته، الاعتراف أن المدرسة والمعلم أشياء تراجعت مكانتها وأصبحت مكروهة ومنبوذة لدى كثير من الطلاب. يجب أن نعترف أن المجتمع لم يعد ينظر للمدرسة والمدرس كمكان للتعليم والتربية بل هي تقطيع وقت ريثما يعود الطالب من المدرسة وبعدها يذهب للمعهد الخاص الذي يدرسه نفس المواد وربما الأساتذة نفسهم.
يجب علينا دراسة هذه الحالات وأسباب تدني مكانة المدرسة والمعلم لدى المجتمع ولو كنا تأخرنا بهذا، وهذا يتطلب إعادة دراسة النظام التعليمي وواقع المدارس والقيمة والفائدة التي تقدمها ودراسة التغييرات التي أصابت مجتمعنا وأثرها على الوضع التعليمي، أما الاكتفاء بأخذ الصور لدى أهل الفقيد و نشر صور القاتل عندما يلقى القبض عليه فلن تحل المشكلة، وإنما سنستمر بالسقوط والحفر في القاع.