عن تحرير الخطاب الديني – ديانا الزين
سناك سوري – ديانا الزين
في ظل تسارع الأحداث وتأثير الخطاب الديني المشوه عليها بطريقة سلبية خطيرة، عقدت الخميس الماضي ندوة بعنوان “تحرير الخطاب الديني”، برعاية المنسقية العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي، أمينها العام “عمر زين”، بحضور رجال الدين من مختلف الطوائف، وفعاليات سياسية وإعلامية ومهتمين من المجتمع المدني.
افتتحت الندوة بكلمة مدير الجلسة الشيخ “سامي أبي المنى” الذي اعتبر أن الخطاب الديني يتجه نحو الغلو، ويجب تحديد أولوياته للعودة إلى التفكير العقلاني والإنساني، وعلى الخطاب أن يتمحور حول قيمة الإنسان من أجل تحقيق العدالة والحرية. فالإنسان هو المنطلق، وهو محور الكون- والدين أتى لخدمته، ومن واجب الخطاب الديني أن يتوجه لمساعدة الإنسان لبلوغ غايته الإجتماعية والإنسانية.
السيد “علي فضل” قال في الندوة نحن بحاجة إلى دراسة كل الأمور التي تعرقل حركة هذا الخطاب ومسيرته- ليكون في خدمة أهداف الدين بدل أن يكون مشكلة.
اقرأ أيضاً: هل حقاً منعت سوريا التجمعات الدينية
ورأى “فضل” أن المتداول هذه الأيام هو خطاب يتسم بسمة التطرف والإقصاء والجمود، مما أدى إلى حجب المضمون الإنساني والتحرري للدين، وبات الحديث عنه مثيراً للإشكالات، حتى أن التعامل مع النصوص الدينية أصبح وجهة نظر لا تعبر إلا عن فهم خاص لأصحاب الخطاب. فقد تم العبث بجوهر الدين.
كما دعا “فضل” إلى تحرير الخطاب من كل هذه الأثقال المعيقة لتطور المجتمع. وأهم التحديات على هذا الصعيد هو تحرر الدين من الطائفية في سياق الصراع مع الآخر واستثماره، فالطائفية تجمع بشري ولا تنطلق من روح الدين، ولا تحمل عمق الدين بل هي عصبية قائمة على روابط تشوه معانيه وتحوله إلى عنصر صراع، ما نحتاجه هو حوار يغنينا في إطلالتنا على حقيقة ولو مختلفة، وبذلك نصغر رقعة الخلاف، وهل الدين إلا الحب؟.
المطران “عصام درويش” وهو المسؤول عن الحوار المسيحي-الإسلامي. اعتبر أن الموضوع جريء جدا لما له من تأثير على شعوبنا ودورنا في قيادة المجتمع المدني. لقد أؤتمنا على كلام الله، وعلينا توجيه المؤمنين والمؤمنات في دور العبادة نحو مجتمع أفضل وعالم يسوده التفاهم والمحبة والسلام. ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي، على الأديان أن تتحالف من أجل وضع أسس أخلاقية مشتركة لتحرير الإنسان وتحرير الخطيئة فينا. وهكذا يصبح الخطاب معتدلا يقود إلى المصالحة بين التعددية الثقافية والدينية، والتكامل فيما بينهما. لدينا أصول مشتركة، فجميعنا نؤمن بالله، فلنوجه إذا خطابنا لنتقارب ونتحابب، ولنتجاوز الفروقات التي تؤدي إلى فتنة لا سبيل لإطفائها أحيانا. المشكلة هي في محاولة رجال الدين أن يكونوا زعماء زمنيين، يجب أن يتوقف ذلك ويحرر هذا الخطاب من مكيافيليته.
اقرأ أيضاً: الإعلامية بروين حبيب تكتب عن الإيمان والكفر
الشيخ هشام خليفة، المدير العام للأوقاف الإسلامية سابقا قال يجب ألا يحمل الخطاب أوجها ولا وجهات نظر خاصة، وهدفه الأوحد هو تحقيق الخير العام المطلق، والنفع العام المجرد. والقرآن يدعو إلى ( الحكمة والموعظة وجادلهم بالتي هي أحسن)، فلم ينحرف الخطاب الديني عن ذلك؟ ويرى الشيخ أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق العلماء والخطباء ورجال الدين. لذا، فلنسعى جاهدين لكي نحب ونتحاور ونتلاقى، لكي نقوي المناعة الفكرية لدينا، لكي يكون خطابنا أصيلا وليس دخيلا.
وفي المقاربة النقدية التي قدمها الشيخ حسين شحادة، رأى أن الخطاب الديني ليس هو الدين، لكنه رؤية بشرية للتعبير عن مفاهيم الدين. ولذلك، يجب أن ينتقد الخطاب ذاته، وأن يبتعد عن الفوقية والتعالي على النقد بذريعة امتلاكه للحقيقة المطلقة. ومع بروز أنماط اشكالية ومستبدة من ظواهر التطرف باسم الدين وطغيان خطاب التفكير والإلغاء على خطاب التسامح والحكمة، علينا أن نحدد ما نقصده من مصطلح الخطاب الديني قبل تحريره واستقلاله. ومن هنا تنشأ الخلافات حول أولوياته، ويصبح الخلل في كيفية النظر إلى قضايا الحريات وحقوق الإنسان والإنتقال من خطاب لغوي ونظري وطائفي إلى خطاب مهموم بتحقيق العدل والسلم الأهلي. وعلينا إعادة النظر بالخطاب الديني وعلاقته بمجتمعه ومحيطه، وهناك ظاهرتين يجب الإلتفات إليهما في هذا المجال: ظاهرة النفاق الديني السائد والمستشري خلف أروقة كثير من المتكلمين بإسم الدين، والثانية، ظاهرة إنعدام الثقة بفاعلية هذا الخطاب ودوره التوحيدي.
اقرأ أيضاً: روبوت قد يشكل خطراً على رجال الدين في سوريا؟
لا يجب أن يحكم الخطاب الديني مصالح شخصية وفئوية والتجني والإفتراء على الدين باسم هذا الخطاب. ولكي يكون الخطاب الديني امتدادا لخط الأنبياء والرسل، لا بد أن ينبض فكرا وسلوكا بمهمات إرساء مناهج الحوار فيما بينها. لذا، على الخطاب الديني أن يكون نابضا بالحب والرحمة وقارئا وشاهدا بكلمة الحق ومجادلا بثبات وشجاعة من أجل حقوق الإنسان في الحرية والكرامة.
وقد اختتمت الندوة التي أقيمت في لبنان بمداخلات تمحورت حول أهمية المصالحة مع النفس والآخرين، وتحرير الخطاب الديني من الجهل والظلم والتبعية للحاكم والسياسي والسلطان. وفي مداخلة للشيخ زياد الصاحب، اعتبر الحوار أول أساسياته خالصا لله وللخدمة الإنسانية. وقد تساءل النائب السابق بشارة مرهج عن إغفال الندوة للآليات التي يجب اتباعها لتحرير هذا الخطاب، كمحاضرات في المدارس وتهيئة الجيل الجديد لتوضيح الصورة له وعدم تعوده على الإرتهان لأصحاب الخطاب.
في ظل التخبط العشوائي وتسارع الأحداث في الوطنين العربي والإسلامي، يسعى البعض إلى نقد الخطاب الديني لما له من تأثير أساسي على الشعوب والجماعات والأفراد، ولما لتأثيره من نتائج سلبية إن انحرف عن مساره الحقيقي. عسى أن تحمل الأيام القادمة مساع أخرى جادة للعمل على الوصول بهذا الخطاب إلى مافيه خير البشرية.