الرئيسيةتنموي

الهوس بالمجتمع المحلي – مازن بلال

تنمية المجتمعات المحلية يجب أن تطال “الانتاج السياسي” قبل كل شيء كي لا نكرر تجارب لن تؤدي لحلول مستدامة.

سناك سوري – مازن بلال

تتواجد المجتمعات المحلية بتجليات مختلفة داخل أي فعل تنموي، وعندما نبحث عن مشهد عام لأي مسار مستقبلي فإنها في التصورات الحالية تأخذ موقعا أساسيا، وفي كثير من الأحيان تصبح محورا تنمويا يقود باقي العمليات الأخرى المتعلقة بهذا الأمر، ولكن السؤال الرئيس هنا: هل المجتمع المحلي يشكل الوحدة التنموية الأولى؟

إن مشروعية هذا السؤال تنطلق من استبدال المركزية الشديدة إلى “مركزية محلية”، والاستناد إلى الوحدات الصغيرة في مرحلة حرجة ضمن سورية تحديدا له مخاطر لا بد من قراءتها بالدقة، فالمجتمع المحلي الموجود ربما قبل ظهور الدولة بمعناها الحديث؛ يتطلب النظر إلى نوعية الاهتمام الذي يظهر اليوم، بحيث تصبح معظم القضايا مرتبطة بهذه “الوحدات البيئية” التي اكتسبت العديد من السمات الثقافية.

في أوروبا عموما ظهر الاهتمام بقوة “المجتمعات المحلية” وفق سياق يستند إلى ثلاث أمور:

– الأول عراقة الدولة ومؤسساتها التي شكل منظومة يصعب اختراقها في حالات الإخفاق السياسي أو حتى التنموي، فمسار التعبير عن المجتمعات المحلية كان موجودا عبر البرلمان أو الإدارات الأصغر مثل البلديات على سبيل المثال، ولكن في المقابل فإن التحالفات الأكبر للسياسيين اقتضت في النهاية ظهور الفعل المدني المرن، والتركيز على المجتمع المحلي كوحدات قادرة على التنشيط السياسي وضمان الديمقراطية.

– الثاني القطاع الخاص الضخم الذي يسعى لتوحيد الأسواق، وبالتالي فرض ثقافة انتاج واستهلاك بمعايير واحدة قضت في كثير من الأحيان على الخصوصيات للمجتمعات المحلية، وأدرجت إنتاجها ضمن العملية الكبرى لحركة رأسمال.

– أخيرا هناك الاحتكار السياسي لأن الديمقراطيات تحولت في النهاية إلى تمثيل نمطي لأحزاب عريقة، وأصبح النشاط خارج تلك الأحزاب مستحيلا دون إيجاد مساحات جديدة، فكانت المجتمعات المحلية بداية موفقة للخروج من “المجمعات السياسية” التي تمركزت في المدن الكبرى.

بالتأكيد فإن عوامل اقتصادية وسياسية مختلفة ساهمت في إعادة الاعتبار للمجتمعات المحلية، مثل العولمة وظهور التكتلات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، وانسحاب النظريات السياسية الاشتراكية من مساحة الفعل، ولكن التركيز في المجتمعات الليبرالية بالتحديد على المحلي اعتمد على العوامل الثلاث السابقة، فهو ديناميكية لكسر النمط السياسي بينما جاء في الدول الأخرى للخروج من التعثر السياسي.

اقرأ أيضاً التعثر والبحث عن التنمية – مازن بلال

من هذه الرؤية فإن الإفلاس السياسي في إيجاد شرعية للدولة المعاصرة يقود أحيانا للتفكير بمقدمات تعتمد على المجتمع المحلي، رغم أن الدولة المعاصر عانت من خصوصيات هذه المجتمعات ومن نوعية ثقافتها التي تنتمي لمرحلة ما قبل الدولة، ففشل تنمية ما هو محلي ليندرج في إطار حضاري جديد جعل من المجتمع المحلي نقطة بداية أخرى، ولكن دون الاعتراف بإن الإفلاس السياسي لا يمكن حله عبر هذه الطريقة، وهو إفلاس عام له علاقة بالإنتاج السياسي وليس بالسلطة أو الدولة مهما كان نوعها.

بالتأكيد علينا تنمية المجتمعات المحلية… إلا أن هذه التنمية يجب أن تطال “الانتاج السياسي” قبل كل شيء كي لا نكرر تجارب لن تؤدي لحلول مستدامة.

اقرأ أيضاً الصراع مع الفساد – مازن بلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى