
حظيت الفترة الممتدة من عام 2020 وما تلاها من كوارث بشرية وطبيعية. بمنحة مقدمة من وزارات العلم والتعليم في بلاد ما بين العطلتين. يطلق عليها المثقفون والأكاديميون في معاجمهم “تعويض الفاقد التعليمي”.
سناك سوري- ميس الريم شحرور
تذخر أيام المواطنين في تلك البلاد بالمفقودات. بدءاً بالفاقد الكهربائي والمائي في الصباح الباكر لا سيما مع دخول موسم الصيف. الذاخر بالمناوشات والخلافات بين أهالي الحي ليحظى أحدهم بـ”شفط المياه” قبل الآخر.
تعلو أصوات هؤلاء ويطلقون سلسلة الشتائم بين بعضهم البعض. ما يتسبب بإهدار طاقتهم في الصراخ والتوتر بدلاً من استثمار اللحظة في ملء ليتر ماء في خزاناتهم المهدور ثمنها. لتقوم بوظيفة لا تتيحها مديريات المياه بعدما تخلت عن وظيفتها في تأمين المياه لمستحقيها.
وهكذا يمر الصباح مهدوراً حتى ينذرنا المنبه بمضي نصفه. وعلينا أن نستثمر ما بقي منه في إنجاز الحد الأدنى من واجباتنا تجاه أماكن عملنا.
قررت اليوم مثلا أن يكون نهاري مليئاً بالأفراح والزغاريد وأن أبدأ ساعات عملي بأخبار إيجابية (حاولت إنكشها نكش). ففوجئت أن ما بقي من شحن أجهزة المنزل كلها. لا يكفي لأكتب حرفاً من الأخبار السعيدة بعد إهدار الـ17% المتبقية منها.
حملت لابتوبي وبطاريات البيت الثلاث وتوجهت نحو المكتبة للعمل وشحن أجهزتي وأجهزة باقي أفراد العائلة. مشيتي المتثاقلة لم تمنعني من الاستمرار فالـ30 كغ التي أحملها في ظهري. تهدر جزءاً من طاقتي لكن الهدر الأكبر يكمن في الساعات الثلاث بانتظار سيرفيس أو سيارة لأصل إلى المدينة.
الساعة تشير إلى الثالثة عصراً. بقيت لدي ساعتان للعمل. والمكتبة تغلق أبوابها عند الرابعة. عدت أدراجي نحو الكراج لأجد أفواجاً من الناس تنتظر.
صوت مراقب السير في الكراج ينادي “هالبوسطة من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين، اطلعي يا آنسة”. قلت “إجا الفرج”. فاكتشفت أن علي البقاء واقفة مدة نصف ساعة في طريق العودة. ورأسي يرتطم بسقف البوسطة.
وباعتبار أني فتاة طويلة لا أحيا إلا شامخة. هممت بالنزول وقبل أن أضع قدمي خارج البوسطة. مشت الأخيرة واضطررت أن أحني رأسي للمرة الأولى في حياتي.
وصلت المنزل وقد خارت قواي في رحلة شبه يومية مع الحياة في بلاد “الآه يا نيالي”. وأنا أتساءل: “ألا يحق لنا أن نحظى بتعويض للفاقد من عمرنا المهدور. قبل أن يمرّ ما بقي منه في عذابات لا تنتهي؟!”.