عشرة آلاف دوشكا تخبرك متى يبدأ “الإفطار”!
أنا أعلم أنكن ستقرأون كلماتي ثم تعلقون: “تستحقون ذلك”!
سناك سوري-خالد عياش
أخبرني جدي أن الناس كانوا يعلمون بحلول شهر رمضان المبارك، لدى سماعهم صوت المدفع الذي يطلق عدة مقذوفات متتالية، فتبدأ بعدها الناس بتلقي المباركات والتهاني بحلول الشهر الفضيل، الآن أستطيع الترحم على جدي وعلى المدفع أيضاً، رحمه الله لم يعش لأخبره عن “الدوشكا” المعاصرة.
أكاد أجزم أن كل قارئ لهذه الكلمات سيطلق عبارات مثل “بتستاهلوا إنتو فوتوهن لعندكن”، “إنتوا بيئة حاضنة للإرهاب”، أنا لا أجزم أنا متيقن من تلك العبارات، ولعلي أجد بعضاً منها في التعليقات، ما علينا.. سبع سنوات حرب توشك أن تغير خارطة سوريا بأكملها، لن يضرنا أن نشتم ونخون بعضنا البعض إن ذلك لن يزيح ذلك الخط المرسوم بيد التركي والروسي والإيراني والأميركي على ورقة زُيلت باسم “خريطة سوريا الجديدة”.
المهم يا زملائي في الوطن والحياة، أنا كأي مواطن إدلبي أفتقد تفاصيل رمضان مضى، لا توجد به دوشكا، لا أفطر مع عائلتي خلاله على أصوات الرصاص خارجاً، بينما يجاريها ابني وينبطح على الأرض كما علمته لتفادي الرصاص الطائش، لقد أصبح ذلك عرفاً يومياً في حياتنا.
اقرأ أيضاً: “أبو عمر” الإدلبي السبعيني.. متخوف من دخول “العثماني” إلى “إدلب”!
كثيراً ما تجتاحني رغبة عارمة في المشي في الأزقة والحواير القديمة هنا في مدينتي، أتأملها وأخاف من القادم، كم يريعني أن أفكر بقدوم العثماني أو التركي كلاهما أمر واحد، كم يريعني أن أفكر أنه من الممكن أننا نتجه لنصبح أتراكاً، أنا أكره الأتراك جداً، جدي أرغمني على كرههم حين كان يقص لي عشرات الحكايا عن مجازر العثمانيين بحق أبناء جلدتنا، وهل لأحد أن ينسى منظر خوازيقهم، جدي لم ينساه، على فراش الموت أخبرني أنه ارتاح اليوم من ذكرى تلك اللحظة حين أعدموا صديقه على الخازوق، لقد رفض أن يقول لي سبب اعدامه بتلك الطريقة الوحشية، مكتفياً بالقول: هكذا هم قرروا.
جدي لا يعلم أننا نعيش تحت رحمة من يقرر عنا كل شيء اليوم، صحيح أنهم لا يمتلكون الخازوق، لكن أفعالهم ليست أكثر رحمة بكثير، إننا نعيش بعيداً عن الحياة، بعيداً عن الموت أيضاً، نعيش في المنتصف حيث لا نستطيع أن نشعر.
آخر مرة شعرت بها لم تنتهي بعد، ماتزال اللحظة مستمرة، تنزف على هذا الفضاء الإلكتروني كل تلك الكلمات السابقة، التي سيقرأها أحدهم ويقول: “بتستاهلوا”، أجل نحن نستحق.. نستحق الحياة كل سوري على هذه الأرض يستحق أن يحيا من جديد.. لكن متى تبدأ رحلة الحياة التي ننتظرها، متى نحصل على حريتنا الحقيقية، ونكون مواطنين حقاً لا عبيد، متى نتخلص من الأحزاب الشمولية والراديكالية والديكتاتورية ونكون مواطنين، سوريين، لنا حقوق وعلينا واجبات، متى نكون شركاء في هذا الوطن، متى نعيد لهذا الوطن ألقه؟.
اقرأ أيضاً: إدلب:المصير الأسود لـ ثاني محافظة تسيطر عليها “المعارضة”