عزت طرابلسي … مؤسس مصرف سوريا المركزي وأول حاكميه
اصطدم بحكومات الوحدة والبعث .. وساهم بتأسيس مصرف الإمارات المركزي
سناك سوري _ زياد محسن
يبرز اسم “عزت طرابلسي” عند البحث عن أعلام الاقتصاد السوري التاريخيين على الرغم من أن الرجل أمضى آخر 37 عاماً من عمره مبعداً ضمنياً عن البلاد ومؤسساتها الاقتصادية.
يعود لـ”طرابلسي” والكادر الذي رافقه في تلك الحقبة، الفضل في تأسيس مصرف “سوريا” المركزي عام 1953 ليصبح أول حاكم له، وقد شكّل ذلك التأسيس خطوة هائلة في منح البلاد الخارجة من تحت جنح الاستعمار حديثاً حينها، استقلالاً مالياً ونقدياً أخذت بموجبه الدولة حق إصدار النقد الوطني “الليرة السورية” بعد أن كان حكراً على مصرف “سوريا ولبنان” الذي كان مصرفاً خاصاً يتحكم بعملات البلدين.
النشأة والبدايات
في شوارع الشام القديمة سيمشي الشاب المولود عام 1913 متجهاً إلى “باب شرقي” قاصداً مكتب “عنبر” الذي أمضى فيه مراحل دراسته الثانوية.
إن الوطن وخيراته وتنميته لجميع أبنائه وطبقاته وعملها الدائب أن تدفع للعمل المنتج عزت طرابلسي
وحين سيبلغ الثامنة عشرة من عمره سيقتحم عالم القانون ويدرس في كلية “الحقوق” في “دمشق” ويتخرج منها، لكن طموحه لن يتوقف عند الشهادة الجامعية، فيحمل أحزمته نحو العاصمة الفرنسية ليتحصّل منها على دكتوراه في العلوم المالية مقتحماً بذلك عالم الاقتصاد.
المسيرة المهنية
عاد “طرابلسي” إلى “دمشق” وعمل في المحاماة ثم أصبح قاضياً في محكمة الأملاك العقارية، لكن ميوله الاقتصادية دفعته عام 1947 لترك التدريس الجامعي والعمل في وزارة المالية السورية أميناً لدائرة الدخل.
في مذكراته يقول رئيس الحكومة السورية السابق حينها “خالد العظم” أنه حين استقر الأمر لحكومته عام 1950 لإنشاء “مرفأ اللاذقية” عمل على اختيار رئيس وأعضاء مجلس إدارة للمرفأ.
يقول “العظم” عن ذلك «اخترنا السيد عزت طرابلسي للرئاسة وهو من خيرة الشبان الذين درسوا في فرنسا وأظهر في وزارة المالية مقدرة فائقة ونشاطاً وفيراً ونزاهة مشكورة»
لاحقاً أصبح “طرابلسي” مديراً عاماً للجمارك ثم أميناً عاماً لوزارة المالية، قبل أن يأتي العام 1953 الذي حقق فيه إنجازه الأكبر بتأسيس مصرف “سوريا” المركزي وتسلّم حاكميته.
سارع “طرابلسي” إلى “الجامعة الأمريكية في بيروت” وألقى محاضرة شرح فيها مزايا تأسيس المصرف المركزي في “سوريا” علماً أن “لبنان” لم يحظَ بمصرف مركزي حتى العام 1964.
يقول “طرابلسي” «إن الأسلوب المتزن في إدارة المصرف المركزي يحفظ في الواقع للسلطة العامة حق التدخل في سبيل تحقيق المصلحة العامة ويؤمّن للسلطة النقدية حريتها وتجردها واستقلالها في معالجة الشؤون النقدية ولكن نجاحه منوط باحترام استقلال السلطة النقدية وإقناع السلطة العامة بضرورة هذا الاستقلال لنجاح مهمتها»
اقرأ أيضاً: تعرفوا على أول رئيس لسوريا بعد الثامن من آذار 1963
الوحدة والمنفى
لكن رؤى “طرابلسي” للاقتصاد وإدارة النقد الوطني اصطدمت مع سياسات جمهورية “الوحدة” مع “مصر” وبسبب معارضته
لتلك السياسات عزل من منصبه عام 1960، ولم يعد للعمل إلا بعد الانفصال حين اختاره الرئيس “ناظم القدسي” وزيراً للمالية في حكومة “خالد العظم”، وكان يعتزم إصلاح ما رأى أن حكومات “الوحدة” خرّبته لا سيما على مستوى التأميم وقال “طرابلسي” عام 1962 في مؤتمر التنمية الاقتصادية بحلب « أن الوطن وخيراته وتنميته لجميع أبنائه وطبقاته وعملها الدائب أن تبعث أجواء الثقة والتفاؤل وتدفع للعمل المنتج لتعيد للاقتصاد القومي انطلاقاته وآماله» إلا أن مهمته لم تطل وانتهت مع وصول “البعث” إلى السلطة عام 1963 حيث أبعد عن منصبه.
ابتعد “طرابلسي” منذ ذلك الحين واستقر في “بيروت” حيث تم اختياره مديراً عاماً لمصرف “بلوم”، وفي العام 1977 اختارته الحكومة الإماراتية مستشاراً للشؤون النقدية والمصرفية وتكليفه لإعداد قانون إنشاء مصرف مركزي في “الإمارات”.
لـ”طرابلسي” عدة مؤلفات بينها “الزراعة في سوريا” وكتبه بالفرنسية و”الخطوط الكبرى للسياسة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا العربية” والمؤلف المشترك مع الوزير “عواد بركات” والذي حمل اسم “دراسات في المالية العامة، الموارد العامة، الضرائب، القروض” قبل أن يرحل عن الحياة عام 2000 عن عمرٍ يناهز 87 عاماً.
اقرأ أيضاً: بين دستورين .. سوريا من دولة فيدرالية إلى المركزية المطلقة