عبد المسيح الأنطاكي .. تلميذ الكواكبي وصاحب القصيدة العلَوية
من الجذور اليونانية إلى مدائح أمير الكويت وسلطان عمان
سناك سوري _ دمشق
إنه السادس عشر من شباط، قبل نحو قرن ونصف من اليوم تحديداً في العام 1875، في “حلب” يبصر طفل النور لعائلة من جذور يونانية ارتحلت من “أنطاكية” وتكنّت باسمها قبل أن تستقر في “سوريا”.
يُقال أن “فتح الله الأنطاكي” كان أول من مارس مهنة المحاماة أمام محاكم “حلب” وأنه كان شاعراً وصحفياً ومن أعيان الكنيسة الأرثوذوكسية الحلبية، وقرر أن يسمي ابنه الذي ولد للتو على اسم جده “خريستو ذولوس” باليونانية وتعني بالعربية “عبد المسيح”.
نشأ “عبد المسيح الأنطاكي” في “حلب” وعاش بين أحيائها ومدارسها في أجواء منفتحة ومختلطة بين المسيحيين والمسلمين، ما أكسبه عقلية متنوّرة ومتقبّلة للآخر وأبعده عن التعصّب والانغلاق.
كان “الأنطاكي” محظوظاً إذ تزامن عصره مع وجود عالم “حلب” الكبير “عبد الرحمن الكواكبي” فتتلمذ على يديه، واستقى منه علوم اللغة العربية والشعر وتاريخ العرب منذ الجاهلية حتى عصور الإسلام المتلاحقة، وتعمّق في قراءته لتاريخ المسلمين إلى جانب إتقانه العثمانية واليونانية، كما قرأ في تاريخ الكنيسة الأنطاكية على مرِّ العصور وكتب عنه مؤلفه “اللآلئ السنية لعروس الكنيسة الأنطاكية الأرثوذوكسية”.
أواخر القرن التاسع اقتحم “الأنطاكي” عالم الصحافة وأصدر مجلة “الشذور” في “حلب” لكنه فضّل الانتقال بعدها إلى “مصر” بحلول العام 1895 وأصدر فيها مجلة حملت اسم “الشهباء” وغيّره لاحقاً إلى “العمران” وقد عاشت مجلته 12 عاماً.
اقرأ أيضاً:“مريانا مراش”.. أول أديبة سورية تكتب في الصحف
أثرى مجلته بمقالات عن رحلاته التي جاب بها دول الخليج العربي متحدثاً بالتفصيل عن مشاهداته وطريق سفره وصلاته بأمراء وسلاطين المنطقة.
أما في الشعر، فتعد “القصيدة العلوية المباركة” أشهر أعماله، وتعتبر بمثابة ديوان كامل بحد ذاتها، فقد بلغ عدد أبياتها 5595 بيتاً وعدّها النقّاد من أطول القصائد العربية المكتوبة بوزن وقافية واحدة، وروى من خلالها سيرة الإمام “علي بن أبي طالب” بنفَسٍ ملحمي مميّز أكسبه مع نصّه شهرة واسعة.
يؤخذ على “الأنطاكي” مدائحه الكثيرة في كتبه وأشعاره، لا سيما تلك المدائح التي انهال بها على أمراء الخليج، فقد امتدح الشيخ “خزعل خان” شيخ إمارة “المحمرة” آنذاك وهي المنطقة الواقعة عند “شط العرب”، إضافة لمدح شيخ “الكويت” “مبارك بن الصباح” والذي ألف لأجله كتاباً حمل عنوان “الآيات الصباح في مدائح مولانا صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مبارك باشا ابن الصباح” ومدائحه لسلطان “مسقط” “فيصل بن تركي”.
كما ألف كتباً أخرى مثل “الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة” و”رحلة السلطان حسين في رياض البحرين” وغيرها من المؤلفات إلا أن النقاد المعاصرين رأوا في أسلوبه تجسيداً لنمط الشعراء القدامى الذين يمدحون الأمراء والخلفاء لنيل عطاياهم.
لم تطل مسيرة “الأنطاكي” الحافلة بالقراءة والسفر والشعر والكتب، فرحل عن 47 سنة في يوم 18 تشرين الثاني 1922، وربما لو أن سنوات عمره امتدت أكثر لكان ترك لتاريخ الحركة الثقافية مؤلفات أوسع لكنه رغم قصر عمره نجح في المساهمة ببصمة خاصة في الأدب الحديث والصحافة العربية، قبل أن يغمض عيناه للأبد ويدفن في مقبرة “القديس جورجيوس” في “القاهرة”.
المصادر: مدونة الباحث السوري الدكتور “جوزيف زيتون”
موقع مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية
مقالات من جريدة “الوطن” البحرينية، “القبس” الكويتية، موقع تاريخ الكويت
اقرأ أيضاً: الكواكبي… المثقف الذي كان سيعدم بسبب حديثه ضد الحكومة