
“سيار الجميل” كاتب عراقي يطلق مفاجأة حول نسب أغنية “عالروزانا” فإلى أي شيء استند؟
سناك سوري – عمرو مجدح
من ذاك الذي لم يغني عالروزانا يوماً ولم يَقُل للمسافرين إلى “حلب” “حبي معاكم راح”، ولم يرحب بأحبابه العائدين إلى الوطن بعد سفر طويل قائلاً:«يامرحبا، نسم هوى بلادي»، جمل ونغمات موسيقية توارثتها أجيال وأنسجت حولها العديد من القصص والروايات، ولا يغيب عن الذاكرة صوت “صباح فخري” صادحا من قلعة حلب يشدو بها و”فيروز” بصوتها الملائكي تغني حلبا وترق القلوب معها.
إلا أن الكاتب والمؤرخ العراقي “سيار الجميل” أطلق مفاجأة وهو ينسب الأغنية إلى مدينة “الموصل” في “العراق” ويقول :«”عالروزانا”، قيل عنها الكثير ، وأنها اسم لسفينة جاءت محملة من الدولة العثمانية بالتفاح والعنب لضرب التجار البيروتيين، وراح المؤولّون يعبرّون عن محبة تجار “حلب” لأهل “بيروت” ، وأن الأغنية تعبير عن تآزر السوريين واللبنانيين.. لا أفرّق بين أي بلد عربي وآخر ، ولكن الذي دعاني إلى البحث عن هذه الحالة الملتبسة هو السعي لتأصيلها وإعادة الحق إلى أصحابه، ما دمنا قد اكتشفنا بعد سنوات من البحث أن صاحب كلمات هذه الأغنية واسمه “عبد الله راقم افندي الموصلي”، وعرفنا صديقه الذي لحنها وهو الموسيقار “الملا عثمان الموصلي”.
اقرأ أيضاً:هند هارون الشاعرة التي رفضت استقبال الجنرال ديغول
يتهم “الجميل” الإعلامي السوري “سعد الله الآغا” بأنه قد نسج هو الآخر قصة من خياله لينفي لبنانية الأغنية، ويختلق تفسيراً غريباً لجعلها أغنية سورية بقوله :« أن مجاعة ضربت بلاد الشام في أوائل الحرب العالمية الأولى، وأن العثمانيين الأتراك جمعوا القمح للجيش فجاع الناس، فتوجهت من “ايطاليا” باخرة إسمها “الروزانا الايطالية” نحو “بيروت”، ولكن الحرب التي دخلتها “إيطاليا” إلى جانب الحلفاء أدت لمحاصرة الشواطىء ولم تصل الباخرة، فأقدم تجار “حلب” على تزويد “لبنان” بالقمح واستلام محصول التفاح كبديل عنه تهريباً مع تغطيته بالعنب!! ولم يخبرنا “الآغا”على أي مصدر اعتمد في كتابة هذه القصة ! وهناك تفاسير أخرى لا أساس لها أيضاً من الصحة».
يؤكد الكاتب والمؤرخ العراقي “الجميل” أنه اكتشف في مخطوط ديوان الشاعر “عبد الله راقم أفندي” 1853- 1891 م أن هذه الأغنية قد كتبها بنفسه في جلسة سمر ، واتفق مع صديقه الموسيقار الضرير “الملا عثمان الموصلي” على تلحينها ، وهي تحكي قصة عاشقين كانا يلتقيان خلسة وراء الروزانا، وأن العاشق رحل إلى “حلب” بعد أن افتقد حبيبته إثر إغلاق أهلها للروزانا التي يسميها “الموصليون” بـ “الغوزني”، حيث يوضح قائلاً:« أن “الروزانا” هي فتحة تُبنى في البيوت القديمة بالموصل، ويسميها البغداديون “الرازونا”، وهي ليست كما أشاع السوريون واللبنانيون اسم سفينة ايطالية، وقد تحققت من ذلك في بحثي في تاريخ البحرية الايطالية، فوجدت هناك سفينة اسمها “ريجينا” وليست “روزانا” بنيت منذ زمن طويل، إذ يقول تاريخها بأنها قد تحطمت عام 1872 في عاصفة قوية جداً بالبحر History of Regina, broken up in 1872».
اقرأ أيضاً:نزار قباني في حوار استثنائي مع نفسه هكذا أجاب

وهكذا جاء نص القصيدة الأصلية الموجودة في الديوان كما أورد المؤرخ العراقي :
«عالروزانا عالروزانا روح الهنا فيها
احلف يمين الهوى نرجّع لياليها
وين اللي حبّوا قلبي ووين اللي عنو مالو
تاركلي الهم حبيبي وهو مرّيح بالو
يامن يردو جوابو أو يبعت سؤالو
نستحلي كلمي قلو يفهم معانيها
ياولفي خدني من هجرك يكفاني
غيرك وحياة الهوى مالي حبيب تاني
اشون ترتاح فكاري ودموعي بأجفاني
والنوم مجافي عيوني وعاش السهر فيها
عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها
وش عملت الروزانا الله يجازيها
يا رايحين لحلب قلبي معاكم راح
يا محملين الرطب تحت الرطب تفاح
كل من وليفه معو وانا وليفي راح
يا رب نسمة هوا ترد الولف ليا
لاطلع ع باب الجسر واحدو مع الحادي
واقول يا مرحبا نسّم هوى بلادي
يا رب يغيب القمر لأقضي انا مرادي
وتكون ليلة عمر ، والسرج مطفية».
اقرأ أيضاً:“صبرية” التي امتلكت شجاعة وجبن “الانتحار”.. “دمشق يا بسمة الحزن”
هذه الأغنية مكتوبة باللهجة العامية الموصلية وقد جرت بعض التبديلات فيها حسب “الجميل” حيث يقول:«تغيرت كلمة ” الرطب ” العراقية الى كلمة “العنب” ، وتغير ” وش عملت الروزانا ” إلى “شو عملت” ، وتحولت “قلبي” إلى “حبي” ، وتبدلت “عا باب الجسر” إلى “عا راس الجبل” وتغيرت ” واحدو مع الحادي” إلى”واشرف على الوادي “، و تبدلت “ليلة عمر” بـ “ليلة عتم”».
لنا رأي
كل ماقيل لا يلغي أهمية “حلب” التاريخية كحاضنة ومصدّرة للثقافة فقد ازدهرت فيها الموشحات والقدود بشقيها الديني والعاطفي منذ زمن بعيد يعتقد أنه في القرن الرابع الهجري، كما يقال أنها بدأت كطقوس دينية مسيحية مع القس والمؤرخ السرياني “مار أفرام” المولود عام 306 ميلادياً ونضجها كان في العصر العباسي الذي تطورت فيه الأنظمة الشعرية والغنائية والكثير من القصائد تعود لشعراء لم يكونوا حلبيين منهم من الأندلس وفارس والجزيرة العربية فقد عرفت “حلب” “السهروردي والمتنبي والمعري”، وغيرهم ممن عاش على أرضها وانتمى لها ولم تسأل عن أصلهم وكان لهم الأثر في الحياة الثقافية للمدينة كما كان للصوفية ذلك الإنتشار الواسع فبات الإنشاد والموشحات والقدود رفيق كل المناسبات العائلية والشعبية والدينية بين البيوت والجوامع والتكايا، من المهم أن ينسب الإبداع لأصحابه وأيضاً مهم أن لا ننكر فضل من حافظ على هذا التراث وقدره وأعاد تشكيله وتطويره حتى تتناقله الأجيال.
اقرأ أيضاً:من يهود “سوريا” إلى “هالة” بنت “ألبير” اليهودي – عمرو مجدح
https://youtu.be/lpCatjkBKPI