التقليد الأعمى .. وسيلة ردع التفكير ومحاربة المختلِف _ ناجي سعيد
مهارة التفكير تبدأ من الطفولة وتنمو مع الإنسان طالما استخدمها

ختمتُ مقالتي السابقة، بجملة: “الريموت كونترول بيد الإنسان الغائب…” وما أودّ التطرّق إليه الآن، مرتبط بفكرة التحكّم باتّخاذ القرار الفردي. والقرار يحتاج، أن يجعل من الشخص ذاته مركزًا للتحكّم.
سناك سوري _ ناجي سعيد
وأنا شخصيًّا من المؤمنين بأنّ عقل الإنسان هو الـ “مايسترو” لحياته! وما يُلفت في موضوع القدرة على اتّخاذ القرار الفردي، هو الفهم الخاطئ من عامّة الناس بأن الأديان السماوية تعتمد على ظاهرة التقليد الأعمى، ممّا يضعّف من الدافعيّة للمضيّ في مسار عقلي يدعم اتّخاذ القرارات الفردية. وهذا ما يُعزّز ظاهرة التقليد للجماعة.
وتشير الآية 24 من “سورة الأنفال” بأن الدين لا يأمر الإنسان بما يرميه في التهلكة. حيث تقول « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم». ما يوضح بأن الكتب السماوية لا تأمر إلاّ ما فيه صلاح وخير البشر، وبالتالي لا يمكن للتقليد أن يكون أعمى!.
والقصور في فهم المقصود من الآية يعود إلى سوء استخدام العقل من قبل عامّة الناس. فمن أهمّ العوامل التي تُشكّل مفهوم “عامّة الناس”: ظاهرة التقليد الأعمى. المحاكاة/ الاتباع/ الاقتداء/ الاهتداء/ الإلزام/ السبق/ التناوب/ كلُّها ألفاظ تحوم حول ظاهرة التقليد.
إن ظاهرة تقليد غير المسلم دون بصيرة، ظاهرة حذّر منها إسلامنا العظيم وذلك لتبقى للدين هيبته. وللإسلام قيادته، فوجدنا القرآن ينهى على الذين يقلدون الآباء دون وعي وإدراك وتفكير.
حيث جاء في الآية 170 من “سورة البقرة” « وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزال الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أَ ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون». فهم بذلك عطّلوا حواسهم وقلوبهم التي أمروا باستعمالها بشكل سليم. كما تقول الآية 36 من “سورة الإسراء” «ولا تقفُ ما اليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا».
ولقد جاء إسلامنا بكل ما من شأنه أن يحقق السعادة للمسلم في الدارين. وتقول الآية 149 من “سورة آل عمران” « يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين».
التقليد أسهل طرق منع التفكير
وبمعزل عن خوض غمار الخطأ والصواب، ومن عدسات تربويّة لا تنحاز إلى أيديولوجيا معيّنة. فإن التقليد (الأعمى) للأوّلين هو الطريق الأسهل الذي يوفّر على البليد مشقّة التفكير. مع العلم بأن التفكير مهارة تبدأ من الطفولة كأساس، وتنمو مع الإنسان طالما يعمل على استخدامها واحترام تطوّرها.
وبالتالي، تتكاثر ظاهرة التقليد، من جهة لندرة استخدام التفكير، وخاصّةً بشكل فردي. ومن جهة أخرى، غلبة العقل الجماعي المرتكز على المعتقدات الدينية. على مبدأ ” أنت ما تفكّر نحنا منفكّر عنّك!!” وهنا فإنّ الموضوع الذي تناولته في المقال الأسبق، يؤكّد بأن أغلبيّة الناس تتبع النموذج العقلي (mental model ) أو ما أطلقت عليه من خلال قراءاتي: “البارادايم”.
لذا وبرأيي فإنّ المُختلف دائمًا مُحارب من الآخرين. فقد وصفهم أوسكار وايلد: «معظم الناس هم أناس آخرون» ونجد بأن الثقافة الشعبية تُطلق مقولات هي نتيجة تجارب أفراد غير طموحين: «مين جرّب مجرّب كان عقله مخرّب». فتحدّ من تشجيع الفرد على خوض التجربة، فمن جرّبوا من قبله فَشِلوا.
والدرس الذي يستخلصه الفرد هنا، يشبه تمامًا الضعف المُكتسب الذي حصل مع الفأر الذي خاض التجارب التي أجراها علماء النفس. فبعد أن أغلقوا المَنَفذ في محاولة للفأر ليمرّ، اعتقد بأن لا ممرّ من هنا، فتوقّف عند التجربة الثانية! والتجربة، مرتبطة بالأمل. فأنا المؤمن باللاعنف، ومقتنع تمامًا بطبيعة البشر الخيّرة أصلاً، ولو طال الأمر، ستتحرّك الطبيعة الخيّرة -ولو بشكل ضئيل- فإن التجربة الفردية ستأخذ حيّزًا من التنفيذ.
علاقة اللا عنف بالتقليد
فبداية اللاعنف، هو الإيمان بالذات، والعمل على تعزيز الاختلاف. ولا يصعد الفرد المختلف على متن سفينة التشابه والتقليد! فيصبح كما تقول لي أمّي: «بيلبس قبعه، وبيلحق رَبعه».
وأخيرًا، وربطًا بمفهوم البارادايم أو النموذج العقلي (mental model). لا يصلح للإنسان أن يطوّر حياته ومسارها، إذا ما قَبِعَ في صندوق النموذج الواحد، فهل يصلُح أن نمتلك عقلاً، ولا نوظّفه في خدمة..إنسانيّتنا؟.
فلو تبعنا “البارادايم”، دون تفكير، قد يُفضي بنا الحال إلى ارتكاب الشرور والأذى. وهذا ما لا تُحمد عقباه! فكيف لأحد أعضاء الجسم، أن يأمر بأذية الجسم والروح؟
إنّ البارادايم أو أي نموذج مُتّبع، هو المسار الذي يسلكه أي “تاجر” يريد التسويق لمُنتج ما بعرض الربح المادي. والمادّة كفيلة لضرب القيم والمعايير الإنسانية بعرض الحائط.
أعمل في فريق برنامج لبناء السلام، ونتوجّه لناشطين مجتمعيين، بهدف غير مباشر، لتحييد الشباب عن اتّباع النماذج السائدة. التي تُقدّم نفسها كنماذج رائدة للتغيير وهي تحارب الاختلاف والنماذج الفرديّة. وأنا أواجه مشكلة كبيرة في القدرة على تذوّق البامية..التي لا أحبّ طعمها.