عائلة الفرج تأكل مما تزرع ولا تنتظر خبز البطاقة الذكية
الأسرة تعتمد أسلوب المقايضة.. يشترون الزيت بالحليب!
سناك سوري – صفاء صلال
في منزل حجري بمنطقة “الجفرة” بريف “ديرالزور” تحيط به الأراضي الخضراء، التي زرعتها أيادي عائلة” الفرج” بصغيرها وكبيرها، تأكلُ الأسرة مما تزرع وتخبز وتعتمد أسلوب المقايضة الزراعية لتأمين احتياجات العائلة المؤلفة من 4 أفراد.
تجلس “نوال” الملقبة بـ”أم حمد” بوضع غير مريح صحياً فوق رصيف البيت الإسمنتي بساحة المنزل، تعجن الطحين تضيف إليه الماء، يدخل سناك سوري، لدار السيدة تنهض وتصافحنا مصافحة مصحوبة بعبارة اطمئنان: «هون ما في كورونا»، نسألها عن سبب يقينها بعدم وجود الفايروس؟ لتجيب والابتسامة تعلو وجها: «نحن نأكل بصل ورشاد من يلي نزرعو والمناعة عند ابن الريف أحسن من ابن المدينة لأن أكلنا صحي وشغل أيدينا»، ليس حديثها وحده، ربما تقاسيم وجهها أيضاً تحمل شيئاً من الإقناع!.
تنهي السيدة الأربعينية تحضير العجينة تغطيها وتضعها لتختمر، نرافقها الى مساحة صغيرة خلف سياج المنزل، صنعت العائلة فرن التنور منذ أكثر من 4 عقود لخبز خبز التنور الذي تأكله العائلة، تقول أم حمد: «نعيش ظروفاً صعبة لكن نشكر الله لأن عندنا أراضينا ونعرف نخبز لولاها كنا متنا من الجوع»، لوهلة تكاد تقتنع أن تلك العائلة بتنورها وأرضها هزمت قانون قيصر بكل جبروته الأميركي!.
اقرأ أيضاً: مثال حيدر: الزراعات العضوية جعلت صحتي بإيدي اعتمدوها
نزوح
تحكي السيدة لسناك سوري رحلة نزوح عائلتها من قريتهم إبان حصار تنظيم داعش لخاصرة مطار الدير العسكري وانتقال العائلة لحي “هرابش” المجاور لقرية “الجفرة”، استقرت العائلة هناك حتى فك الحصار عن المدينة، أُصيب “كامل” ابنها ذو سبع سنوات بشظايا قذيفة أدت إلى تشوه في وجهه ويديه وأذية عصبية في رأسه.
تعلق الأم على حادثة إصابة ولدها: «الحمدلله على كل حال لكن هذا الصغير لاذنب له بكل شيء صار حتى تبقى معه هذه الإصابة طيلة حياته»، ثم تتوقف لثوان تُخرج الخبز من داخل التنور المشتعل تعطيه لزوجة ابنها الكبير التي تقطن معهم بنفس البيت وتساعدها بأمور المنزل، وتقول: «جخة ( كلمة ديرية بمعنى ممتاز) خبز التنور ما بعدو خبز، نحن نخبز بيدنا ولا نحتاج خبز البطاقة الذكية الذي صار أغلى بالنسبة لعائلتنا فنحن لانملك سوى راتب صغير وأرضنا التي نزرعها ونأكل من خيراتها».
يعمل زوجها “شواخ الفرج” بعقد موسمي في مديرية زراعة “ديرالزور”، لكن الراتب لايكفي حاجة الأسرة فقسم كبير منه مخصص للدواء للولد المصاب حسب مابينه الزوج، ويضيف: «أعطونا بطاقة تثبت إصابته بس ما استفدنا منها شي، أرضنا عرضنا ورزقنا ولقمة عيشنا».
مقايضة زراعية
تزرع العائلة خضراوات متنوعة بالصيف والشتاء كالبندورة والباذنجان والملوخية، والشعير والقمح، والسبانخ والشوندر، والخس، تستهلك ما تحتاجه وتسوق البقية بطريقة المقايضة الزراعية التي فرضتها عليهم ظروف الحياة الصعبة اليوم، ويقوم مبدأ المقايضة على مبادلة المنتجات الفائضة عن حاجة العوائل في المنطقة بمواد أخرى يحتاجونها ولا ينتجونها، على سبيل المثال تُقايض عائلة “الفرج” الحليب الفائض عن حاجتها بالزيت، وذلك بالاتفاق مع المحال التجارية.
مقدار المواد الخاضعة لنظام المقايضة يفرضها سعر المادتين بالاتفاق بين المُنتج والبائع، كأن تتم مقايضة 5 كغ حليب بليتر زيت مثلاً وهكذا، والأمر ينطبق على الخضار ومواد التنظيف والطحين وكافة احتياجات المنزل.
اقرأ أيضاً: رانيا شامية.. تنتج العسل وتدرس النحل وتدّرب ذوي الاحتياجات الخاصة
قبل نزوحهم من منزلهم كانوا يمتلكون حظيرة حيوانات فيها 5 بقرات وقطعان من الأغنام والدجاج، فيما اليوم لا يمتلكون سوى بقرة واحدة يحرصون على استخدام حليبها في تجهيز مؤونة منزلية وبيع ما بقي منها.
يتعاون كل أفراد العائلة في عملية الزرع والقطاف ويقضون جل يومهم متنقلين بين قطع الأرض خاصتهم، ينهي كل ابن من أولاد العائلة الأربعة عمله بإتقان منهم من يقطف المزروعات والآخر يجمعها ويضعها في شوالات مقسماً إياها بين حاجات المنزل والبيع، أما شقيقتهم فهي تواظب على الاهتمام بالبقرة وحلبها ومساعدة الأم، فيما يقضي “كامل” الصغير يومه باللعب مع أبناء عمه بجوار المنزل والمعاناة مع النوبات العصبية التي تصيبه فترديه أرضاً وتحاول أمه مساعدته على التخلص منها ببعض الدعوات لله.
ظروف الحياة الصعبة والغلاء ساهمت بعودة العديد من العائلات السورية لاستثمار ما تملك من مساحات صغيرة للزراعة، بأنواع مختلفة من الخضار في محاولة للتخفيف من مصروف العائلة الذي تضاعف مرات عدة مؤخراً مع ثبات الرواتب والأجور وغياب فرص العمل المناسبة للبعض.
اقرأ أيضاً: طرطوس: مواطنون زرعوا حدائق منازلهم لتأمين بعض الخضار